Beirut weather 17.43 ° C
تاريخ النشر November 26, 2017
A A A
مأتم صامت في قرية مصرية فقدت نحو نصف رجالها
الكاتب: الحياة

ليلة الجمعة، استعد أهالي قرية الروضة في بئر العبد شمال سيناء لصبيحة يوم غير عادي. فهو يوم الجمعة الأول في شهر ربيع الأول الذي يشهد ذكرى ميلاد الرسول ذات الطابع الخاص لدى الأهالي المتصوفين.

وفي أول جمعة من ربيع الأول، تنطلق في القرية الأجواء الفعلية لاحتفالات الذكرى ضمن أسبوع خاص، يبدأ بخطبة صلاة الجمعة التي تليها حلقة في مدح الرسول.

ليلة السبت، آلات حفر ضخمة تشق طريقها بين منازل القرية النائية المبنية بطريقة بدائية لا تحتاج في العادة إلى مثل تلك المعدات. حُفر عميقة أحدثتها المعدات، حشرت فيها جثث متراصة، لا يغلب عليها البياض كالعادة، بعضها لف في بطاطين شتوية ثقيلة، وأخرى في أقمشة مزخرفة.

هكذا، حلّت أجواء من الصدمة والحزن في قرية الروضة بدلاً من أجواء الاحتفال، عقب الهجوم الإرهابي على المسجد الوحيد في القرية مقابل زوايا عدة. فما إن صعد الإمام المنبر ليبدأ خطبته حول ذكرى مولد النبي حتى هجم مسلحون على المسجد مطلقين النار على من فيه، حاصدين عائلات بأكملها في واقعة غير مسبوقة.

في ضوء الشموع، دفن أهالي القرية ذويهم ليلاً في مقبرة جماعية، من دون غسل أو تكفين اعتيادي، على اعتبارهم «شهداء» يدفنون بدمائهم وفق الشريعة الإسلامية، كما أعلن الأهالي ومعظمهم ينتمون إلى قبيلة السواركة، رفضهم تلقي العزاء في الضحايا إلى حين الثأر للقرية المكلومة.

على أعتاب المسجد، جلست سيدة أربعينية عقب المجزرة أمام جثمان ملفوف بغطاء شتوي ثقيل في صمود تغلفه صدمة بادية على ملامحها، فيما تركن إلى الجثمان حقيبة مدرسية، تبدو أنها للفقيد، وربما لأحد أشقائه، هرول إلى المسجد عقب سماع الطلقات، بينما كان يستعد لحضور درس.

القرية فقدت في الاعتداء 27 طفلاً، بعضهم في أعوامه الدراسية الأولى في مدرسة الروضة التي فقدت خلال الهجوم أيضاً مديرها السعيد أحمد أبو عيطة ونجله ذا الأعوام السبعة.

ويقدر عدد سكان القرية بنحو 4 آلاف نسمة، بين رجال ونساء وأطفال، يكوّنون أقل من 600 أسرة، ما يعني أن نحو نصف أرباب تلك العائلات قتلوا في الهجوم (305 قتلى)، فيما قتلت 10 أسر بالكامل في الهجوم، كما فقدت 17 أسرة عائلها وأحد أبنائها في آن.

سليمان شميط، أحد وجهاء القرية الفقيرة، يشغل منصباً في وزارة التربية والتعليم، كان بين مصابي الهجوم الذي فقد فيه نجله الوحيد محمد وهو طالب في كلية الهندسة، كما فقد شميط شقيقه. المصير ذاته لقيته عائلة محمد مشاور التي فقدت نجلها الوحيد.

بعد دقائق من الهجوم، هرولت نساء القرية إلى المسجد مفجوعات لتفقد ضحاياهن. إحداهن كانت دعت قبل دقائق رجال عائلتها كلهم قبل ذهابهم إلى المسجد: زوجها وأبناءها وشقيقها الشيخ موسى أبو نصير ونجله وزوج ابنته، وقبل أن تصل إلى المسجد لتفاجأ بحجم الفاجعة، إذ قتل أفراد عائلتها كافة تقريباً، قابلها التكفيريون فأطلقوا عليها النار لتلحق بهم.

السيدة ربما أكثر حظاً من أخريات، لم يستطعن المشاركة في دفن ذويهن، إذ غابت سيدات القرية عن مشهد الدفن ليلاً، وفق العادات القبلية التي تمنعهن من المشاركة في الدفن أو تلقي العزاء قبل الثأر، كما مُنعن من العويل والبكاء الصارخ أيضاً، ما ترجم عبر حالة صمت مكلوم تعيشها القرية التي كانت تتزين لاستقبال المولد النبوي، قبل أن تتحول الأجواء إلى مأتم صامت.
*

سيدة تجلس أمام جثة نجلها في مسجد الروضة أول من أمس. (الحياة)