Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر January 28, 2021
A A A
ليلة دموية في طرابلس.. الصراع السياسي ينفجر في الشارع!!
الكاتب: غسان ريفي - سفير الشمال

تعطلت لغة الكلام السياسي وأقفلت خطوط الاتصالات بين المعنيين بتشكيل الحكومة، فإنفجر الشارع في طرابلس ليحمل معه تهديدا بفلتان أمني كبير لن يقتصر على العاصمة الثانية، بل قد يمتد الى كل جوانب الساحة اللبنانية ليحرق الأخضر واليابس، خصوصا بعدما تلاشى حضور الدولة، وسقطت هيبة المسؤولين، ولم يعد أمام المحتجين خطوط حمراء أو محرمات أو حرمة لأحد.

أعادت الليلة الثالثة من الفوضى العارمة في طرابلس بفعل الاحتجاجات الشعبية العنفية الى الأذهان صفحات سوداء من تاريخ الفلتان الأمني في المدينة، لا سيما في بداية الثمانينيات عندما أقدمت قوى الأمر الواقع على إحراق سراي طرابلس وإتلاف كل الملفات التي تعني الطرابلسيين في كل الادارات، خصوصا أن المحتجين أمس حاصروا السراي وأمطروها بقنابل المولوتوف، وكسروا الباب الحديدي لأحد مداخلها، وأحرقوا غرفة الحرس والسور والأشجار، وحاولوا عشرات المرات إقتحامها والدخول إليها، ما دفع القوى الأمنية الى التصدي لهم بالرصاص المطاطي وبآلاف القنابل المسيلة للدموع، قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة بفعل الهجمات المتلاحقة التي شنها المحتجون باتجاه أبواب السراي، حيث لجأت القوى الأمنية الى إطلاق الرصاص في الهواء لتفريقهم.

وقد سجل خرق خطير جدا في الاحتجاجات، تمثل بإقدام أحد المحتجين على رمي قنبلة يدوية حربية باتجاه العناصر (بحسب بيان قوى الأمن الداخلي) ما أدى الى إصابة 9 عسكريين من بينهم ثلاثة ضباط أحدهم حالته حرجة، الأمر الذي دفع العناصر الأمنية الى إطلاق النار باتجاه المتظاهرين الذين سقط منهم أيضا نحو 9 جرحى أحدهم في حال الخطر.

ما شهدته طرابلس على مدار ثلاث ليال والمرشح للاستمرار، ضرب عصفورين بحجر واحد حيث كسر هيبة الدولة بمحاصرة مركزها الأساسي في المدينة وإحراق أحد مخافرها والتجرؤ على قواها الأمنية، وأساء الى حراك ثورة 17 تشرين، فأضاع مطالب الفقراء والمحتاجين بين أعمال الشغب، وهم كانوا يأملون من هذه التحركات أن تضغط على الدولة للاسراع في صرف المساعدات لهم أو السماح لهم بالعمل.

اللافت، أن ما تشهده طرابلس وبعض المناطق غير قابل للصرف لدى العهد الذي يغمض عينيه عن كل معاناة ومآسي اللبنانيين، ويصم أذنيه عن صراخهم ومطالبتهم بالحياة الكريمة، حيث يهتم فقط في كيفية إستمراره من خلال التوريث السياسي وتعبيد طريق قصر بعبدا للنائب جبران باسيل، وهو أمر برأي كثير من أركان فريق العهد لا يمكن أن يحصل في ظل وجود الرئيس سعد الحريري في رئاسة الحكومة بالشروط التي يتمسك بها على صعيد رفض الثلث المعطل لأي فريق سياسي، أو حصر الوزارات الأمنية والعدلية برئيس الجمهورية.

لذلك، بات واضحا أن الرئيس ميشال عون يرفض إستكمال مسيرة التأليف مع الرئيس الحريري، إلا في حال رضخ للشروط التي تبقي باسيل في المعادلة السياسية وتحوله الى شريك مضارب للحريري في الحكومة.

أما الحريري فهو لم يعد قادرا على الاعتذار لما يمكن أن يحمله من تداعيات على حضوره الشعبي ومستقبله السياسي، كما هو غير قادر على تأليف الحكومة في ظل المواقف المتحجرة لرئيس الجمهورية وفريقه.

في ظل هذا التأزم تبدو واضحة محاولات إستهداف الجيش وإستدراجه الى مواجهات مع أهله، فضلا عن توجيه رسائل الى قوى الأمن الداخلي التي سبق وتعرض مديرها لحملة سياسية قاسية.

هذا الواقع يؤدي الى إستفحال الأزمات المعيشية والاجتماعية والصحية، ويدفع المواطنين الى الشارع للتعبير عن غضبهم في مواجهة لامبالاة المسؤولين الذين يتلهون بخلافاتهم ويتركون شعبهم لمصيره المأساوي، في حين لا تتوانى بعض الجهات عن إستغلال وجع المواطنين لتنفيذ أجندات مشبوهة ترجمت بوضوح ليل أمس وحوّلت طرابلس الى ساحات حرب شهدت مواجهات ضارية بالحجارة والمولوتوف والمفرقعات والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي، وبالقنابل اليدوية والرصاص الحي، ما أدى الى سقوط 226 جريحا من المحتجين وعناصر قوى الأمن والجيش نقل عدد كبير منهم الى المستشفيات المتخمة أصلا بمرضى كورونا، وذلك وسط غضب طرابلسي عارم على إستخدام المدينة مجددا كصندوق بريد.