Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر October 16, 2016
A A A
ليحيا القرن التاسع عشر!
الكاتب: نبيه البرجي - الديار

كل ما حدث تغيير في هوية «الرجل المريض». لا الطربوش هنا بل الكوفية  والعقال. ها ان القرن التاسع عشر يعود الينا، او نعيده الينا، بكامل قيافته، حتى ان بريطانيا وفرنسا اللتين، كامبراطوريتين، لفظتا انفاسهما الاخيرة على ضفاف السويس عام 1956، تحاولان ترميم عظامهما (وعظمتهما) للعودة الى هذه المنطقة السائبة التي تدعى…الشرق الاوسط.
عرب الغيب والغيبوبة، الضالعون (والضليعون) في الهيستيريا الايديولوجية، وغالبا الهيستيريا الميتولوجية، يظهرون قدرة هائلة على اغتيال الزمن. ادوار سعيد كان يتحدث ساخرا عن تلك «التكنولوجيا الفذة» التي توقف الزمن…
لا احد غير العرب بين امم الارض، بين قبائل الارض، يستطيع وقف الزمن. ماذا تغير منذ ان اطلق الانكليز مصطلح «المسألة الشرقية» في الربيع الاول من القرن التاسع عشر، سوى اننا وُضعنا على المائدة في اطباق اميركية وروسية وتركية وايرانية (واسرائيلية) بعدما كنا منذ قرنين في اطباق انكليزية وفرنسية وروسية وبروسية؟
حتى ان بوريس جونسون الذي استغربت الصحف البريطانية العريقة تعيينه وزيرا للخارجية في حكومة تيريز ماي بالنظر لـ» البعد الهيستيري» في شخصيته، يريد ان يفرض علينا خارطة الطريق. اي طريق واي مستقبل اذا كانت تلك الاستعادة الفظة لآرثر بلفور (ورفيقه لويد جورج) ولسلوين لويد (ورفيقه انطوني ايدن)؟
غريب امر تلك الانظمة، انظمة القرون الغابرة والوجوه الغابرة، كيف لم تتمكن على امتداد قرن كامل من ان تصنع دولا ومن ان تصنع مجتمعات قادرة على اسدال الستار، الستار الحديدي، على القرن التاسع عشر وفتح الابواب امام الزمن الآخر الذي سبقتنا اليه مجتمعات عاشت مثلنا تلك الحقبة الايديولوجية(والقبلية) الرثة، ومن كوريا الى اليابان وماليزيا وغيرها وغيرها…
الاكثر غرابة ان يكون» الرجل المريض» في القرن التاسع عشر، اي السلطنة العثمانية، صاحب اليد الطولى الآن في اقامة المعمارية الجيوستراتيجية للمنطقة…
لا مجال للدفاع عن النظام السوري، ولا اي نظام اخر، ولكن هل ان رجب طيب اردوغان الذي اضرم النيران في سوريا، وشرّع الابواب امام كل مجانين الارض للقتال ضد النظام، تكريسا لمعادلة» هذه النيو انكشارية لهذه النيو عثمانية»، هو البديل، وهو الذي يقيم الحرية والعدالة والديمقراطية في الارجاء السورية؟
لا بل انه خرج علينا بشعار آخر. ايده في ذلك كتبة العار، ولو بماء الذهب، في الصحف والشاشات العربية.
قال» انا زعيم السنّة»، مستعيدا اللقب العثماني اياه» خادم الحرمين الشريفين»، اما جيشه فهم «الاخوان المسلمون»، الظاهرة التي انتجت كل تلك الجماعات الهمجية، من تنظيم الدولة الاسلامية، الى جبهة النصرة وهلمجرا…
حتما تركيا الاردوغانية التي ترفع شعار «القوة السنية» هي اكثر خطرا من ايران التي ان استطاعت توظيف الشيعة في المنطقة، او استيعابهم، وهم الاقلية، لا يمكن ان تلعب جيوسياسيا الا في حدود معينة…
لاحظنا ذلك في سوريا، حيث التدخل الروسي، لا التدخل الايراني، هو الذي اعاد التوازن الى الميدان، وهل في تصور احد، غير ببغاءات هذا الزمان، ان «حزب الله» يستطيع او يرغب في السيطرة على لبنان؟
داخل السعودية هناك من يدعو الى الحذر من اردوغان لانه مثلما يبغي التهام سوريا، يبغي التهام، العراق والمملكة العربية السعودية. في دول الخليج الاخرى (باستثناء قطر)، هناك من يردد هذا الكلام، ويقال ان اردوغان يريد ان يثأر بلوزان 2016 من لوزان 1923 وحيث تكرّس تقطيع اوصال السلطة.
الرئيس التركي يدرك تماما انه اذا لم يلعب اقليميا من اجل توسيع المدى الجيوستراتيجي للسلطنة فسيسقط، حتما، مثلما سقط صدام حسين، وربما معمر القذافي. انه رهان السلطان على السلطة، فهل يظن الاشقاء السعوديون ان التحالف مع انقرة سيأتيهم بشيء سوى الانضواء تحت العباءة العثمانية التي ابقت العرب ستة قرون وليس فقط اربعة قرون على قارعة الزمن…
هذه المرة، السكين اميركية وتركية واسرائيلية، روسية وايرانية، وليحيا القرن السابع عشر!