Beirut weather 27.38 ° C 22 May 2025 - 13:33:13
تاريخ النشر April 29, 2025
A A A
ليبدأ اللبنانيون من هنا: العمل البلدي
الكاتب: د. قصي الحسين

 

كتب د. قصي الحسين في “اللواء”

على أبواب الإنتخابات البلدية والاختيارية، يجب أن يستيقظ الأهالي، يجب أن يستيقظ اللبنانيون على دورهم اليوم، ويبدأوا من هنا، قبل أن يندموا غدا، ولات ساعة مندم. فلا شيء في الحياة الوطنية العامة، أهم من الإلتفات إلى الشأن البلدي وتعلية شأنه وتطوير وتحديث دوره، وتقديمه على سائر الأدوار. ففيه حياة الناس في بلداتهم، وكيف تنتظم حقوقهم وواجباتهم، وكيف يكون التعاون بين الأفراد والأسر الصغيرة، للمحافظة على بلدة جميلة. على بلدة راقية، على بلدة عصرية جاذبة، على بلدة متضامنة، بجميع مكوناتها الأهلية، لأجل الحفاظ على الملكيات وصونها، ولأجل المحافظة على الطرقات وصيانتها، ولأجل المحافظة على المشاعات، ورفع التعدّيات عنها، ولأجل تقدّمها في الزمن، وعدم جعلها متأخّرة في جميع أنشطة وأوجه الحياة، لأنها إذ ذاك تثبت عن جدارة، في أن تكون ريادية وتستحق التقدير، وتفوز بأوسمة الإستحقاق، من جميع الجوانب، التي تقدّم على أساسها المدن والقرى والبلدات.
لأجل ذلك، فالتنافس البلدي، هو من أهم الأمور وأقدسها في هذا المجال، حتى يصل المرشح الأفضل، لخدمة البلدة، وينخرط في العمل لمصالحها، كأنها بيته، وكأن أهل القرية جميعا أهله. ولهذا يجب أن يحوز مسبقا على درجة عالية من العلم و الأخلاق، وأن يكون صاحب رؤيا تطويرية حديثة وناضجة، يستطيع من خلالها، أن يواكب التقدّم العصري، دون تأخّر عنه، لئلا ينغمس الأمر وبالا على العمل البلدي، وتصاب جميع وجوه الأشغال في البلدات بالإخفاق.
يجب على المرشح للرئاسة أو العضوية، أن لا يعدم النظر، في أنه منذ وصوله إلى المقعد البلدي أو الاختياري، أنه سوف يكون تحت أضواء البلدة كلها. فالعيون متفتحة عليه، تراقبه وتضعه تحت المجهر. ولهذا يجب أن يصون نفسه، عما يدنّس نفسه، بالصفقات المشبوهة، وبالتعدّيات على المال العام، أو على المرافق العامة، أو على الأملاك البلدية. وأن لا يطمع بمال شخصي يجنيه من العمل البلدي. فهو منذ لحظة وصوله، يكون تحت الأنظار، وتصبح السجلات البلدية بين يديه، أمانة في عنقه. فلا شيء اليوم خافيا على الأهالي، بوجود المراقبين والمفتشين والمحاسبين، ولا يضيع قرش واحد عن عيونهم. ولهذا يجب أن يحذر مسبقا في الوقوع في الشبهات، التي تحوم حولها الأنظار، ويصبح تحت سقف المحاسبة والمساءلة. ولهذا يجب أن ينأى بنفسه، عن القيل والقال، فيما يجنيه من أموال. يميّز بين ماله الشخصي والمال البلدي. في عصر، يحسب الكثيرون فيه، أن لهم من المال العام، نصيب وإمتياز.

البلدية في حدودها وفي ممتلكاتها، وفي عقاراتها وفي مشاعاتها، وفي شاطئها وفي مشاطأتها، وكذلك في ينابيعها وأنهارها، بل في مياهها الجوفية وفي ثرواتها الطبيعة كلها، فوق الأرض كما في باطنها، يجب أن تكون في نظر الرجل البلدي، أشبه بممتلكات الجمهورية الفاضلة. ولهذا يجب أن تكون الشفافية، منذ وصول المرشحين إلى مناصبهم البلدية، وإلى أعمالهم الوظيفية، دقيقة وشفافة وممتازة. وأن يكونوا هم أنفسهم وفي أنفسهم، أشبه بالجنود الشرفاء المجهولين، يعملون ليلهم ونهارهم، لأجل بناء وتطوير وتحديث الجمهورية الصالحة.
على المرشحين منذ برهة ترشيحهم، أن يعلموا مسبقا، أنهم متطوعون لخدمة أهل البلدة. وأن يكون وصولهم إلى المقعد البلدي، إعلان مسبق بالترفّع عن المكاسب الشخصية، والمحافظة على الحقوق وعلى الأموال البلدية، وأنهم تحت الحساب ويخضعون بكل إحترام وتقدير للمساءلة والمحاسبة: أمام أهل البلدة، وأمام الرأي العام فيها، وأمام الدولة والقائمقامية والمحافظة، وأمام صندوق الشكاوى والجلسات القهرية والندية في كل أشكال المحاكمة. إبتداء من السؤال: من أين لك هذا؟ وحتى شراء الأقلام والقرطاسية والكومبيوترات، وآلات التصوير والمحاسبة.

يجب على المرشحين للمقاعد البلدية، أن يعرفوا مسبقا، أن تراث القرية كله، أمانة في أعناقهم، ويجب أن يتعهدوه بالحفظ والصون. وأن المدارس ودور الشفاء وجميع المصالح البلدية: إبتداء من عمال النظافة، وحتى المشاركة في المهرجانات القروية والفلكلورية والوطنية، هي أموال عينية لأهل البلدة والمدينة، فلا يتم التعدّي عليها، ولا تسرق ولا تحرق، ولا يمرّ عليها الزمن في المساءلة والمحاسبة.
العمل البلدي أعظم الأعمال قاطبة، ورئيس البلدية هو على قدر الرئيس في الجمهورية، وأعضاء المجالس البلدية، هم بأهمية الوزراء في الدولة الواعدة. ولهذا يجب أن يعلم المرشحون مسبقا، أنهم متطوعون للعمل البلدي. وهم في أعلى درجات الرفعة والأخلاق والعفاف والتعفف، عن سرقة حجارة البيوت، التي تنهار في غياب أهلها عنها، أو بسبب الكوارث الطبيعية. ويكفّون انفسهم ويصونونها، عن سرقة الينابيع وبيعها، أو عن وضع اليد على العقارات التي غاب أهلها عنها، بتزوير حجج بلدية باطلة، أو بناء لمشاريع إنشائية وهمية، أو زبائنية.
المسؤولية البلدية جسيمة للغاية، حتى أنها تساوي مسؤولية الحفاظ على الجمهورية. ولذلك فليقسم هؤلاء السادة المرشحون للمناصب البلدية، أنهم سوف يكونون رجال الصالح العام، والصالح البلدي العام. وأن البلاد بلادهم، وهي في عيونهم صباح مساء. وأنهم لا ينسون أن أهل البلدة أهلهم، فيعملون بروح شخصانية، وليس بروحية الصالح العام، تماما كما يجب أن يكونوا، وكما يتطلّع الأهالي والناخبون في عملية الانتخابات الشفافة والنزيهة، حيث لا يكون فيها شراء ضمائر، ولا شراء ذمم، ولا شراء أصوات.
الانتخابات البلدية القائمة اليوم، يجب أن تختلف عن سابقاتها. فلم يعد هناك مجال للترف البلدي، والهدر على كل المستويات. ولا نغالي إذا ما قلنا: إن العمل البلدي، مسؤولية خلقية وثقافية ووطنية في آن. بل إن العمل البلدي، هو مسؤولية تطويرية وتحديثية، تراعي جميع شروط النهوض بالقرية وبالبلدة وبالمدينة، وبالعاصمة. فما بالك إذا كان مرشح العمل البلدي، يتعهد منذ اليوم الأول، بالمحافظة على الأرث، ودفع التعدّيات، وردّ المسلوب والمنهوب، إن بالتفاهم، أو عن طريق القضاء!
إننا نميّز جيدا، ونحن على أبواب الانتخابات البلدية، بين المرشحين بأكفّهم البيضاء الناصعة البياض، وبين المرشحين الذين يلبسون القفازات، وعلى المواطن أن لا تخدعه الدريهمات السوداء، لئلا يندم على ما سيكون…
وأخيرا أردّد وأقول:
«وللّه في خلقه شؤون»!
* أستاذ في الجامعة اللبنانية