Beirut weather 14.1 ° C
تاريخ النشر July 30, 2019
A A A
لو أن أحكام الدستور احتُرمت لما كان شغور رئاسي ولا تعطيل للحكومة
الكاتب: اميل خوري - النهار

لو أن أحكام الدستور تُحترم نصاً وروحاً لما كانت حصلت أزمة الانتخابات الرئاسيّة ودامت ما يُقارب الثلاث سنوات لأن النائب أعطى لنفسه حق التغيّب عن جلساتها من دون عذر مشروع، ولما كانت حصلت اليوم أزمة تعطيل جلسات مجلس الوزراء لأن وزيراً أعطى لنفسه حق التدخّل في وضع جدول أعمال المجلس وهو حق محصور برئيس الحكومة ولرئيس الجمهورية أن يطَّلع عليه. فلو أن بعض النوّاب احترموا الدستور لكان عليهم أن يحضروا جلسات انتخاب رئيس الجمهوريّة ولا يتغيّبون عنها إلّا بعذر مشروع لتجنيب البلاد أزمة شغور رئاسي طال أمده، ولكان على الوزير الذي يريد إدراج موضوع على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء أن يحصل على موافقة رئيس الحكومة أو يستقيل، وإلّا أصبح في استطاعة كل وزير تعطيل جلسات مجلس الوزراء إذا لم يُستجب طلبه، وهو الحاصل الآن بسبب الخلاف على كيفيّة معالجة حادثة قبرشمون سياسيّاً وأمنيّاً قبل انتظار نتائج التحقيق القضائي فيها وإثارة خلاف حول أي مرجع قضائي هو الصالح للنظر في هذه الحادثة. فهل يُعقل أن يستمر أي مرجع قضائي هو الصالح للنظر في هذه الحادثة. فهل يُعقل أن يستمر تعطيل جلسات مجلس الوزراء إلى أن يصير اتفاق على المرجع القضائي الذي ينظر في الحادثة، وقد دخل التعطيل الشهر الثاني وكل المبادرات للخروج من أزمة التعطيل لم تنجح حتّى الآن، ومصالح الوطن والمواطن تتعرّض لأضرار فادحة لا سيّما في ظروف صعبة يمرّ بها لبنان والمنطقة.
لذلك فإن على رئيس الحكومة سعد الحريري التفاهم مع الرئيس ميشال عون على دعوى مجلس الوزراء الى الانعقاد سواء في السرايا أو في القصر الجمهوري، والأفضل أن يعقد في القصر برئاسة رئيس الجمهوريّة ضبطاً للمناقشات وتحميل مَنْ يتغيَّب عن الجلسة المسؤولية أمام الوطن والمواطن، وتبقى حادثة قبرشمون مؤجّلة إلى ينتهي التحقيق القضائي فيها لمعرفة أي مرجع هو الصالح للنظر فيها، أو يُقرّر مجلس الوزراء ذلك وفي ضوء ما يقترحه التحقيق القضائي. أمّا أن تبقى جلسات مجلس الوزراء معطّلة إلى أن يصير اتفاق فتلك جريمة لا تغتفر بحق الوطن والمواطن تفوق تداعيات جريمة قبرشمون. فمتى يقيم الرئيس عون والرئيس الحريري الحكومة الميتة من قبرشمون ليرى الناس أعمالها ويتأكّدوا من أنها حكومة “إلى العمل” فعلاً لا قولاً؟ فسابقة تعطيل جلسات مجلس الوزراء إذا تكرّرت عند كل خلاف على مواضيع جدول أعمالها، فإن ذلك يشكّل تعطيلاً للدستور ولعمل المؤسّسات، ولا سيّما عندما تكون البلاد تمر في ظروف صعبة وحسّاسة سياسيّاً وأمنيّاً واقتصاديّاً وربما مصيريّاً، ويتحمّل عندئذ مسؤوليّة استمرار التعطيل الحكم بكل المسؤولين فيه.
لذلك ليس على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة انتظار التوصّل إلى حل لحادثة قبرشمون والحكومة مدفونة فيه، بل الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء تبحث في المواضيع التي تهم الوطن والمواطن في انتظار التوصل الى اتفاق حول حادثة قبرشمون. فالأزمات هي امتحان لعزم الرجال… فإذا انتصروا عليها كانوا رجالاً، أمّا إذا انتصرت عليهم فهم أشباه رجال.
لقد كان الحكم في عهد الرئيس كميل شمعون وفي عهد الرئيس فؤاد شهاب “حكم أفعال لا أقوال”، وحكم الرئيس الياس سركيس كان “حكم الضجر” لأن الميليشيات كانت هي الحاكمة في مناطق سيطرتها، فلا يجب أن يكون الحكم في عهد الرئيس عون حكم الأقوال ولا أفعال، أي “حكم الحكي”… وقد شبع الناس سماع أقوال كثيرة ولا أفعال، وهم محرومون منذ سنوات طويلة الكهرباء والماء ولا يشمّون سوى روائح النفايات وفضائح الفساد والفاسدين والكلام الكثير عنهما، ولكن فاسداً واحداً لم يدخل السجن وكأن الفساد في لبنان كالهواء تشعر به ولا تلمسه…