Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر September 24, 2019
A A A
لهذه الاسباب لن يكون الردّ الاميركي على إستهداف ارامكو عسكريا!
الكاتب: العميد شارل ابي نادر - موقع المرده

يبدو أن تداعيات عملية استهداف نقاط ارامكو النفطية في البقيق وخريص شرق السعودية تتفاعل، فبالاضافة لما نتج عنها من تأثير سلبي هائل على سوق النفط العالمي، على الاقل للفترة الممتدة لحين اعادة منشآت النفط المستهدفة الى وضعها السابق، من الواضح ان المنطقة بعد هذه العملية سوف تشهد تغييرا مفصليا في قواعد الاشتباك الاقليمية، بحيث لم يعد الموضوع مقتصرا على التوتر و التشنج والاشتباك البارد، بل ربما تشهد تغييرا مفصليا، اذا لم يكن نحو مواجهة واسعة او محدودة، فعلى الاقل نحو تغيير في مستوى انتشار وجهوزية القوى العسكرية الغربية، والتي تدَّعي انها موجودة لحماية الدول الخليجية النفطية، وعلى رأسها السعودية والامارات العربية المتحدة.
هذا التغيير المرتقب، ناتج عن اتهام واشنطن لايران بتنفيذ العملية، من خلال إطلاق الاخيرة صواريخ كروز مجنحة من قاعدة ايرانية على الحدود مع العراق ( لم يتم تحديدها حتى الان )، ودخلت هذه الصواريخ الاجواء الكويتية لتضييع الاتجاه، وتابعت مسارها فوق السواحل الشمالية الشرقية من السعودية وصولا الى البقيق وخريص، وهذا الاتهام تقريبا تفرَّدت به واشنطن وتبنتّه الرياض، إستناداً الى تقارير لوكالة المخابرات المركزية الاميركية حول نقطة انطلاق الصواريخ، وايضا حول بقايا طائرات مسيرة وصواريخ كروز غير منفجرة بالكامل، وجِدَت في مناطق قريبة من البقيق، وكانت مادة دسمة تم عرضها في المؤتمر الصحفي للناطق العسكري السعودي مؤخرا.
بناء على هذا الاتهام، كان منتظرا ان تعمد الولايات المتحدة الاميركية للاعلان عن قراراها بتوجيه ضربة عسكرية لايران، على خلفية الاتهام من جهة، ومن ضمن مبدأ حماية حلفائها في المنطقة من جهة اخرى، الامر الذي لم يحدث، لا بل بالعكس، سارعت الاوساط الاميركية الرسمية الى الاشارة لخطورة الحرب ولميل الادارة الاميركية نحو اعتماد وتسويق جميع الخيارات المتاحة ومنها تشديد العقوبات على طهران، قبل الوصول للخيار العسكري، مع تعمّد الرئيس ترامب القول في تصريح لافت: انه ليس بحاجة للنفط السعودي حيث لبلاده اكتفاء ذاتي في هذا المجال، والاهم من ذلك كله قوله بكل صراحة: ” يجب ان يدفعوا مقابل حمايتهم ” .
باكورة هذه المعادلة والتي تقوم على الدفع، جاءت بالامس القريب وعبر مؤتمر صحافي لوزير الدفاع الامريكي ولرئيس هيئة الاركان المشتركة، حيث تم اتخاذ قرار بنقل معدات ووحدات اميركية الى المنطقة، مختصة بالدفاع الجوي ضد الطائرات المسيرة والصواريخ، وسوف تُسَلَّم المعدات التي ستكون بعهدة وبادارة هذه الوحدات الأميركية الى السعودية والامارات .
هنا تفرض نفسها وبقوة وباستغراب التساؤلات التالية: ما كان دور الوحدات الأميركية الموجودة في الخليج ( بحرا وبرا ) بمواجهة تلك الصواريخ والطائرات المسيرة التي – كما يدَّعون – انطلقت من قواعد ايرانية في شمال الخليج ؟ واليست هذه الوحدات العسكرية الغربية مجهزة بمنظومات دفاع جوي مناسبة، لحماية قواعدها، وايضا لحماية المنشآت السعودية الاكثر استراتيجية واهمية في العالم ؟ وهل من المنطقي ان تكون القواعد الاميركية المنتشرة بكثافة في الخليج، ما بين الكويت والبحرين وقطر والامارات، و التي لا يقلّ عديدها عن السبعين الف جندي وضابط، لا تمتلك منظومات دفاع جوي مناسبة ؟ واذا لم تكن قادرة او جاهزة لرد الاخطار الصاروخية او اخطار الطيران المسير، والمتأتية من ايران في ظل هذا التوتر والتشنُّج والاشتباك مع طهران، فبأي اتجاه هي مستنفرة وجاهزة؟ باتجاه اسرائيل او باتجاه تركيا او باتجاه افغانستان او باتجاه مصر ؟.
من هنا، وبعد أن فشلت القدرات الدفاعية الاميركية او السعودية (الاميركية الصنع )، والموجودة في الخليج، عن حماية المنشآت السعودية الاستراتيجية، بسبب عدم اهليتها لمواجهة الطائرات المسيرة اليمنية اوالصواريخ المجنحة الايرانية، كما ادعوا ، وبعد أن جاء الرد الاميركي العسكري بحده الاقصى، نشر منظومات دفاع جوي جديدة، بثمنها المرتفع طبعا، كونها الان مجهزة لمواجهة الطائرات المسيرة الصعبة الالتقاط مبدئيا، وبنشر ضباط وجنود اختصاصيين بالدفاع الجوي، ولقاء بدل اتعاب طبعا، ومرتفع ايضا، كون هذا الاختصاص مطلوب بقوة في هذه الايام وفي هذه المنطقة بالتحديد …
يمكن استنتاج الغاية من اتهام الولايات المتحدة الأميركية لايران باستهداف المنشآت النفطية السعودية، واقتصار الرد الاميركي على عدة إجراءآت دون الرد العسكري، وكما عودتنا واشنطن من كافة مناوراتها، تبقى الاسباب من وراء ذلك هي التالية:
– رفع مستوى التوتر في المنطقة وخاصة بين ايران والسعودية، بعد ان كانت قد رشحت بعض المعطيات مؤخرا عن تهدئة ما بين الدولتين .
– فتح باب واسع وضخم لا ينبض، لعقود واسلحة وصواريخ ومنظومات دفاع جوي اميركية لحماية النفط السعودي بعد أن اصبح اليوم مكشوفا ومهددا بشكل كامل واكيد، وهذا يدخل تحت عنوان كلمة الرئيس ترامب الاخيرة : ” يجب ان يدفعوا ” .
– إبقاء الضغط ورفع منسوبه اكثر على ايران، بعد أن فشلت واشنطن حتى الان في جرّ الاوروبيين الى معسكرها ضد طهران، وبعد ان فشلت ايضا في إجبار الصين وغيرها على التخلي عن النفط الايراني .