Beirut weather 19.65 ° C
تاريخ النشر April 16, 2018
A A A
لهذا مر القطوع!
الكاتب: نبيل بومنصف - النهار

ما دامت ضربة الرئيس دونالد ترامب وشركاه لم تؤد الى اسقاط ضحايا بشرية فلربما يتسامح معنا اهل الممانعة ان نحن شكرنا ربنا على التوقيت الذي اعتمده لتوجيه هذه الضربة بينما نهزج كلبنانيين باقتراب موعد استحقاقنا الانتخابي. فليس قليلا ان ترى في يوم واحد وبمشهد واحد، أنظار العالم تتسمر على تلك الضربة وحجمها وما قبلها وبعدها فيما زعماء لبنان المحبوبين يسرحون ويمرحون بأعصاب مسترخية كأنهم في عالم آخر.
لحسن الحظ ان زعماء لبنان بدوا او تعمدوا ان يظهروا مظهر الخبراء الاستراتيجيين العالمين والمقدرين بدقة وبحسابات جراحية مسبقة لا تخطىء انهم لم يفرطوا في الرهانات الطالعة والنازلة، المضخمة او المقللة، للضربة الاميركية البريطانية الفرنسية فلم يخرجوا هذه المرة عن جادة العقل البارد واكتفى بعضهم باطلاق المواقف التقليدية المحسوبة وبعضهم الاخر بتلوين المواقف ببعض التفسيرات الزائدة فيما نأى بعضهم الثالث بنفسه عن التعليق الفوري والتزم التريث وحكمة التروي.
وفي مجمل الأحوال ليس الحدث هنا بل في مكان آخر. كنا كلبنانيين ولا نزال نتسقط الاجتهادات الهابطة علينا من “الخبراء الاستراتيجيين” اياهم الذين تغص بهم الشاشات ويتدافعون لاغراقنا بخبرتهم الوافرة في غرف عمليات الحلف الأطلسي وقبله حلف وارسو ايام الاتحاد السوفياتي المندثر وصنوف الحرب الباردة..وكنا ولا نزال ننساق مع الساخرين الذين استذكروا الواقعة الشهيرة لقصف المدمرة الاميركية “نيوجرسي” لمنطقة جبلية من لبنان في الثمانينات كأنها استعادة طبق الأصل لضربة بلا جدوى عسكرية اقله في إضعاف النظام السوري.
كنا نتندر بأن ترامب مظلوم لانه يوصم وحده بتكبير حجر التهديدات ومن ثم تأتي ترجمتها محدودة ومتواضعة وتساهم في تقديم هدايا مجانية للاعداء والخصوم جميعا وتطيل عمر الاستنزاف. فترامب ليس الرئيس الاول الذي يقدم على خيارات كهذه في الشرق الاوسط وسبقه رؤساء آخرون في هذا “الكار” كان آخرهم باراك اوباما فلا يمكن رمي التبعة عليه وحده ولو انه يدأب على هجاء سلفه اكثر مما يهجو أعداءه الخارجيين.
كنا نحمد ربنا بانه حمانا من تداعيات انفجار التباين الحاد حول النأي بالنفس بعدما خشينا من سرعة حماوة رؤوس سارع اصحابها الى شتم الذين تساهلوا مع التبشير بالضربة الاميركية بل لم يستنكروه فيما هم انفسهم دأبوا على أنكار المجازر الكيماوية وغير الكيماوية التي تسبب بها حليفهم النظام. كنا ننجرف في الاسترخاء لان العناية الإلهية شاءت ان تنقذ استحقاقنا الانتخابي الآتي بكل أبهة الديموقراطية المحمولة بالتصويت التفضيلي المدهش والنسبية المذهلة في تزاوج ابتكره العقل اللبناني الخلاق الذي جعل الاتحاد الاوروبي يفرز لنا كتيبة من مئة مراقب واكثر اعجابا بمراسنا الشفاف الذي من مظاهره حرص معظم الحكومة والمسؤولين على عدم توظيف النفوذ الرسمي للدولة والإفادة من الامتيازات الخاصة لهم في حملاتهم الانتخابية… كنا نفعل كل ذلك الى ان فوجئنا بمن يقول لنا إنكم ستنتخبون هذه المرة آلهة وليس نوابا ولذا مرت الضربة بل مررت بهذا الشكل لئلا تخدش هناء استحقاقنا!