Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر May 13, 2018
A A A
لن يبدأ الإصلاح
الكاتب: جهاد الزين - النهار

بمعزل عن خبايا الانتخابات التي حصلت، ما نعرفه والأكثر ما لا نعرفه عنها، عن التلاعبات الحساسة المتداولة وغير المتداولة، في ظل شهادة حسن سلوك متسرعة والأهم غير جوهرية من المراقبين الأوروبيين الذين كانوا ينفذون قرارا سياسيا مشكورا بدعم لبنان مهما كان ولا يراقبون بل يتفرجون…

بمعزل عن كل ذلك، ومن فاز أو خسر عن حق وعن غير حق، فإن تركيبة هذا المجلس النيابي الجديد هي تركيبة مثيرة للاهتمام من حيث وزن العديد من الشخصيات التي دخلتها، أعني وزن التجربة الشخصية الطويلة في العمل السياسي، أيا تكن طبيعة هذه التجربة وحجم الاختلاف الصاخب والمتبادل عليها.

1- هناك طبعا كتل “الحرب” الأولى 1975- 1990 الكبرى المسيحية المسلمة (القوات اللبنانية، الكتائب، أمل وحزب الله، الحزب التقدمي الاشتراكي، المردة) وهناك كتلة “الحرب” الثانية السنية الشيعية 2005- ؟؟ (تيار المستقبل) وهناك الكتلة الموصولة بالحربين والسِلْمَيْن اللذين تخللاها خلال وما بعد المرجعية السورية (التيار الوطني الحر)… ولا داعي طبعا لشرح كل هذه التسميات “الحركية” الطائفية للقارئ اللبناني وحتى العربي.

2- هناك طبعا شخصيات جديدة ولاسيما بين رجال الأعمال والشباب والنساء، فهؤلاء كنا سنرحب بوجود أكثرهم في المجلس حتى لو كان المجلس الجديد معيَّناً بالكامل، فكيف وهو يحمل في العديد من الحالات شبهة انتخاب فعلي؟! هؤلاء سنرى ماذا يضيفون في مجال التحديث الاقتصادي والقانوني وليس في مجال مكافحة الفساد التي هي، المكافحة، أكبر منهم إذا اعتبرنا بعضهم، وبصعوبة، خارج هذا السياق من العلاقات الزبائنية العميقة في المجتمع والدولة اللبنانيين.

3- هناك “كتلة” مهمة في المجلس النيابي الجديد أريد أن أتوقف عندها بموضوعية. كتلة الأصدقاء السياسيين ومنهم أصدقاء شخصيون للرئيس بشار الأسد (غير طلال إرسلان وسليمان فرنجية) الذين صمد ولاؤهم للنظام السوري في أصعب الظروف. هؤلاء، ولن أسمّي، أسماء من 5 إلى 6 شخصيات بارزة وقوية في مجالات مختلفة ومعهم يمكن إضافة بعض الأسماء النيابية الجديدة الأخرى الأقل أهمية. هذه أسماء راسخة في معرفة خبايا البلد وليست مجرد نواب عاديين حتى لو دخل بعضهم الندوة دون قاعدة شعبية واسعة. هذه أسماء ستضيف على السجالات داخل المجلس نكهة ربما حادة لن يكون ممكنا معها “تجاوزها” ببساطة إلا حيث ميزان القوى الخارجي الكبير يُخضِع الجميع بمن فيهم رؤساء الميليشيات و”الأحزاب”.

بين كتل كبيرة نافذة وبين نواب جدد شباب ومخضرمين، بادئين، أنصاف أبرياء، و”مْكَحْكَحين”، يمكن لهذا المجلس أن يكون حلبة ملاكمة جذابة من شأنها في الحد الأدنى أن تسلّينا حتى لو أنها ملاكمة تعكس صراعات إقليمية ودولية خطيرة خارج قبة المجلس.

هذا في المسرح. وكل سياسة مسرح. أما في الرهانات الإصلاحية الجادة للاقتصاد والنظام السياسي فهذه رهانات في غير محلها وليست، حين تصدر عن بعض الأصوات، سوى استهلاك يعرف أصحابه أنه مستحيل سوى في بعض المظاهر.

كيف يتجرأ هؤلاء وبعضهم يمثل قوى عملت في الحد الأدنى كشاهد زور على مسار عقدين من اهتراء وفساد الدولة قام به أرباب النظام المحلي نفسه بصفتهم وكلاء أصيلين معا؟

لن يبدأ الإصلاح لأنه مستحيل في الشروط البنيوية للنظام السياسي وعلاقاته. وعلى المستوى الاقتصادي ربما يكون أفضل وضع نتمناه هو اعتبار مؤتمر سيدر الأخير فرصة لـ”إنتداب اقتصادي أوروبي – فرنسي تحديدا” يعجّل ويضبط عمليات التنفيذ للمشاريع الآتية. لكن تجربة المراقبين الأوروبيين في الانتخابات، رغم حضورهم المرحّب به لدى النخب اللبنانية، والجهود التي قاموا بها، لا تشجّع كثيراً من حيث “رخاوة” المعايير، وهذا هو التعبير الأكثر تهذيبا الذي أستطيع استخدامه. رخاوة رغم الانكشافات البالغة قبل العملية وخلالها.

لن يبدأ الإصلاح. وأذكِّر جماعة بل جماعات “المجتمع المدني” بما كتبته في ذروة الحراك المدني قبل سنتين وأثار عتبَ بعضِهم إن لم يكن غضبَهم:
نلاقيكم على طريق المطار…