Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر May 6, 2017
A A A
لمن خانته ذاكرته… هذا ما حصل في لقاءات بكركي الانتخابية
الكاتب: موقع المرده


في خضم السجال الحاصل حول قانون الانتخابات، وتحديداً حول نظام النسبية الذي صار جزءاً من ثقافة اللبنانيين الانتخابية وخيار الكثير من القوى السياسية بعدما تيّقنت أنه الأكثر قدرة على تأمين التمثيل الصحيح، من الضروري العودة الى اللقاءات التي كان تُعقد في بكركي بين القوى المسيحية، والتي انتهت الى تبني النسبية الكاملة على أساس 15 دائرة، لتفنيد خلفيات كل الفريق والأسباب التي جعلت من هذا الاقتراح مطلباً مسيحياً جامعاً.

تجدر الإشارة الى أن هذه اللقاءات انطلقت في صيف العام 2012 من الديمان بعد اجتماع ترأسه البطريرك بشارة الراعي بمشاركة ممثلين عن الأحزاب المسيحية الأربعة الأساسية والمطران سمير مظلوم والوزير السابق زياد بارود وخبراء انتخابيين.

على أثرها، تشكلت لجنة رباعية ضمت في حينه، جورج عدوان، سامي الجميل، الان عون، يوسف سعادة، الى جانب بارود، وتولت عقد سلسلة لقاءات في مجلس النواب لمناقشة مروحة من المشاريع والاقتراحات الانتخابية، من أصغر الدوائر الى أكبرها.

هكذا، نوقش على سبيل المثال اقتراح الدوائر الفردية لكنه أسقط لاعتبارات طائفية- مناطقية تحول دون تطبيقه، وغيره من الاقتراحات الى أن قدم بارود اقتراح الدوائر المتوسطة على أساس النظام النسبي، وكان “التيار الوطني الحر” أكثر المتحمسين له على اعتبار أن النسبية جزء من أدبياته السياسية والانتخابية.

فدخل النقاش عمق هذا الاقتراح الذي احتاج الى أسابيع وأسابيع من درس الأرقام والمحاكاة قبل أن يتم التفاهم على شكل الدوائر وحجمها، حيث جرى الاتفاق على 5 دائرة بعدما تأكد للمجتمعين أنّ هذه الصيغة تؤمن للمسيحيين انتخاب 51 أو 52 نائباً بقدرتهم الذاتية، وفق المقاربات والدراسات التي أجراها كل فريق.

وحده سامي الجميل كان متحفظاً على هذا الاقتراح لاعتقاده أنّ النسبية المطلقة قد تأخذ النقاش في البلاد الى مكان آخر، وتحديداً الى السؤال عن الديموقراطية العددية، لأنها قد تكشف التراجع الديموغرافي للمسيحيين.

أما عدوان فكان أكثر المنظرين للنسبية بعد “التيار الوطني الحر” وهو الذي كان يتولى الرد على النائب الكتائبي بأن الدوائر المتوسطة مع الصوت التفضيلي الواحد هي الضمانة للمسيحيين على المدى البعيد، وهي التي ستحول دون مقارعتهم لاحقاً بالعددية.

بالتزامن مع هذه النقاشات، كانت بكركي تستضيف لقاء رباعيا للقيادات المسيحية، ومن ثم لقاءات موسعة لكل النواب الموارنة، في وقت كان اللقاء الأرثوذكسي يطلق اقتراحه الشهير للعلن والقائم على اساس أن كل مذهب ينتخب نوابه… ما أدى بالنتيجة الى وضع ثلاث أفكار أساسية على طاولة البحث النهائي:

– اقتراح “اللقاء الأرثوكسي”

– النسبية الكاملة ضمن 15 دائرة

– الدوائر الصغيرة مع أنها لم تلق توافق اللجنة

تلك الاقتراحات عرضها عدوان على لقاء القيادات الأربعة، فأدهش جعجع بالأرقام التي يحققها اقتراح “الأرثوذكسي” مع أن نائبه في اللجنة كان متحمساً للنسبية، لكن جعجع تبنى “الأرثوذكسي” رغم أن الجميع كانوا مقتنعين أن الاقتراح سيواجه اعتراضاً قاسياً من جانب حلفاء جعجع وسيوضع في النهاية في سلة المهملات.

وقد أقنعت اللجنة العماد عون السير بـ”الارثوذكسي” بعدما كان يرفضه تماماً، من باب الضغط بورقته لا أكثر للوصول الى النسبية، لأن اللجنة كانت تعرف تماماً أن “تيار المستقبل” سيرفض هذا الاقتراح. وفعلاً رفضه فؤاد السنيورة ما أنقذ اقتراح الـ15 دائرة من حقل الفيتوات المسيحية.

في هذه الأثناء كان النواب الموارنة يطالبون بالمشاركة في اجتماعات اللجنة الرباعية، فجرى الاتفاق على تسمية بطرس حرب كونه مستقلاً وذا حيثية، وأكملت اللجنة اجتماعاتها في مجلس النواب، فجرى الاتفاق على أنّ “الأرثوذكسي” سيحجب في منتصف الطريق وبأن النسبية هي أكثر المشاريع قدرة على تأمين التوافق بين القوى السياسية لتصير قانوناً.

وبالفعل، رست المشاورات على 15 دائرة كما كانت تريد “القوات”، وتوافق الفرقاء الأربعة على هذا الاقتراح لا سيما وان “المرده” كان مؤيداً للمشروع فيما الكتائب رفضت كسر التوافق رغم ملاحظاتها، بعدما نجحت اللجنة في توحيد موقفي “التيار” و”القوات” كونهما كانا في خندقي الخصومة وكانا متأكدين أن النسبية هي النظام الوحيد الذي لا يسمح لواحد منهما بإلغاء الآخر، فجرى القبول به، لا بل التمسك به أكثر من أي وقت، كما أنه يخفف من حدة الصراع ويؤمن التمثيل العادل من دون رافعة فريق ثالث، ويخفف من تأثير المال السياسي…

كان لـ”التيار” و”القوات” سيلاً من الأسباب والحيثيات التي تدفع بهما الى التمسك بالنسبية الموثقة بالدراسات والأرقام التي كانت تقدمها مكاتب الدراسات والاحصاءات، كل من جانبه والتي تدعم وجهة نظره. بمعنى أن تأييد النسبية من جانب الحزبين لم يأت من عبث أو فراغ وانما من قناعة علمية مثبتة بالأرقام والاثباتات… الى أن صار الخصمان حليفين، فصار الأبيض أسود!