Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر March 28, 2020
A A A
لمصلحة من تحميل المصرف المركزي مسؤولية السياسات الحكومية؟
الكاتب: سابين عويس - النهار

إذا كانت مفاجأة مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة، سحب مشروع تنظيم العمليات المصرفية او ما يُعرف بـ “الكابيتال كونترول” عن طاولة المجلس، فإن قنبلته تفجرت قراراً، لم يحظَ ربما في حمأة الكورونا والتعيينات، بالقدر الكافي من الضوء، وتمثل بتفويض وزير المال “اتخاذ ما يلزم من اجراءات مع مصرف لبنان والجهات ذات الصّلة بهدف القيام بعملية تدقيق محاسبية مركزة، من شأنها ان تبين الأسباب التي آلت بالوضعين المالي والنقدي الى الحالة الراهنة، اضافة الى تبيان الأرقام الدقيقة لميزانية المصرف المركزي وحساب الربح والخسارة ومستوى الاحتياط المتوافر بالعملات الاجنبية”.

لم يكن هذا القرار وليد ساعته، او نتيجة الاسئلة الكثيرة التي طُرحت إما على طاولة مجلس الوزراء وإما عبر الاعلام، عن كيفية تطبيق مشروع “الكابيتال كونترول”، اذا لم تتوافر معلومات شفافة وواضحة عما يملكه المركزي، او ما تملكه المصارف، ولا سيما من النقد الأجنبي الذي يتيح لهما ان يحددا حجم السحوبات والعمليات والتحويلات.

بل الواقع ان هذا الامر كان يجري الإعداد له بدقة من ضمن التركيز الممنهج على اداء المصرف المركزي وادارته للسيولة وللودائع المصرفية، في ظل اعتصام حاكمه بالصمت والتكتم حيال هذه المعلومات التي تقول مراجع بارزة فيه ان قانون النقد والتسليف يحظر على المركزي إعطاء اي معلومات باستثناء نشراته الدورية، وان الجهة الوحيدة التي يحق لها سؤاله هي وزارة المال.

وفي حين لم يحدد قرار مجلس الوزراء اي مهلة زمنية مطلوبة لتنفيذ القرار، عُلِم ان وزير المال غازي وزني يزمع اجراء استدراج عروض لشركات تدقيق عالمية من اجل التعاقد معها لإجراء التدقيق المطلوب لحسابات المصرف المركزي. ولم تستبعد مصادر المعلومات ان يستغرق هذا الامر نحو شهر، مشيرة الى انه لا يمكن التنبؤ بالوقت الذي ستتطلبه هذه العملية، لكنها حتما لن تقل عن بضعة اشهر.

وفي هذا المجال، تساءلت مصادر سياسية عن الخلفية الحقيقية لهذا القرار، وتوقيته، وهل طابعه تقني فعلاً ويندرج في اطار التدقيق والشفافية من اجل الحصول على المعلومات المطلوبة، ام ان ثمة في الامر ما هو ابعد، ويتصل بالسعي الدؤوب لفريق رئيس الجمهورية الى فتح ملف المصرف المركزي تمهيدا لفتح ملف الحاكم ومساءلته عن السياسات التي اتّبعها، والتي يحمّله هذا الفريق مسؤولية تبعاتها المالية والنقدية والمصرفية. ولم تستبعد المصادر ان يكون الهدف الأساسي يرمي الى الإطاحة برياض سلامة من ضمن منظومة الإطاحة بكل رموز المرحلة السابقة في حاكمية المركزي وفي اجهزته المختلفة. وقد ظهرت الخلفية السياسية واضحة في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء لجهة إطاحة تعيينات نواب الحاكم وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف، رغم الخطورة التي يرتبها بقاء هذه المراكز شاغرة، حيث لا بديل من سلامة في الحاكمية، في حين ان لا لجنة رقابة على المصارف بعد اليوم، مع انتهاء ولاية اللجنة الحالية في 25 الجاري، لإجراء المراقبة المطلوبة على القطاع المصرفي في أوج الازمة التي يواجهها هذا القطاع.

لا تعلّق مصادر المركزي على القرار الحكومي، لكنها تستغرب كيف تطلب الحكومة تفويض وزير المال اتخاذ ما يلزم لإجراء عملية تدقيق مركزة، في حين ان وزارة المال تملك هذا الحق وهذه الصلاحية، بموجب قانون النقد والتسليف.

كما ان المادة 41 من قانون النقد والتسليف، تقضي بأن تنشأ في وزارة المال “مفوضية الحكومة لدى المصرف المركزي”، يديرها موظف برتبة مدير عام يحمل لقب “مفوض الحكومة لدى المصرف المركزي”، يكلَّف السهر على تطبيق القانون، ومراقبة محاسبة “المصرف”. وفي المادة 43، “يحق لهذا المفوض ان يطلب من الحاكم تعليق كل قرار اتخذه المجلس المركزي، يراه مخالفا للقانون والانظمة، ويراجع وزير المال في هذا الصدد”. كما قضت المادة 44 بان “للمفوض ومساعده حق الاطلاع على جميع سجلات المصرف المركزي ومستنداته الحسابية باستثناء حسابات وملفات غير المحميين بسرية المصارف”.

من جانب آخر، تلفت المصادر نفسها الى ان مصرف لبنان يقوم بعمليات التدقيق السنوية، وهو متعاقد مع شركتي “ديلويت اند توش”، و”ارنست اند يونغ” العالميتين لهذه الغاية.

من هنا تسأل المصادر: لمصلحة من إظهار المصرف المركزي انه متفلت من عقاله، وتحميله مسؤولية السياسات الحكومية؟