Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر April 8, 2025
A A A
لماذا رجّح ترامب الاتفاق مع إيران على الحرب
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”:

صار واضحاً أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب استدعى رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو ليضعه إلى جانبه في مؤتمر صحافي وهو يعلن أن الخيار العسكري بوجه إيران سيئ وخطير وأن التفاوض مع إيران لإنتاج اتفاق منصف هو الطريق الأمثل، فيقدم بذلك لإيران التراجع الذي طلبته عن لغة التهديد ويضيف إلى التراجع ضمّ “إسرائيل” للتأكيد على أن لا خدعة ولا توزيع أدوار تقوم “إسرائيل” عبر بالبقاء خارج الاتفاق الذي تدور حوله المفاوضات، ويبقى لها بدعم أميركي خلفي المجال لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، ويحصل ترامب مقابل ذلك على المفاوضات المباشرة وعلى أعلى المستويات، كما قال، لفتح الطريق نحو الاتفاق.

استدعاء نتنياهو إلى واشنطن لدعوته للانضباط بقرار أميركي يقول إن الخيار العسكري ليس على الطاولة، وإن واشنطن ذاهبة للتفاوض بهدف صناعة اتفاق نووي يشبه الاتفاق السابق، وعلى “إسرائيل” التي تحميها أميركا وتموّلها أن تلتزم بما تلتزم به واشنطن، وأن تنضبط بما تطلبه واشنطن، لكن الملفات العالقة بين واشنطن وطهران معقدة وشائكة ولا يحلها مجرد الاقتناع بخطورة التصعيد وترك الخيار العسكري يفتح الباب للاعبين مثل “إسرائيل” يقودون أميركا، ذلك أن الملف النووي ليس العقدة الوحيدة، وربما يكون أسهل الملفات طالما أن عنوان الطلب الأميركي هو أن لا تمتلك إيران سلاحاً نووياً وإيران ملتزمة طوعاً وبقرار ذاتي بذلك وجاهزة لتقديم ضمانات تطمئن بدرجة جدّيتها ومصداقيتها في فعل ذلك، وقد سبق وفعلت مع الاتفاق السابق الذي انسحبت منه واشنطن بلا أي سبب منطقي يرتبط بالاتفاق نفسه، الذي لم تخل إيران بأي من التزاماته المنصوص عليها فيه.

تخلي واشنطن عن لغة التهديد وجلب “إسرائيل” إلى ذلك علناً، والذهاب الى التفاوض المباشر وجعل عنوان التفاوض الأهم الملف النووي، كلها عناصر تدعو للتوقعات الإيجابية، وتنطلق من قناعة ترامب بحجم تعقيدات الوضع الاقتصادي الذي يشكل جوهر مشروعه، والمهدّد بالسقوط إذا نشبت حرب بحجم الحرب مع إيران، وهي حرب لن تتيح فرص تحسين العلاقات مع روسيا والصين كما يقول الاجتماع الذي ينعقد اليوم بين إيران وروسيا والصين في موسكو، يبدو للغرض نفسه الذي لأجله استدعى ترامب نتنياهو إلى واشنطن، بحيث تضع طهران حلفاءها في صورة ما يجري، لكن ماذا عن الملفات الإقليمية وماذا عن البرنامج الصاروخي؟

يجب أن يكون التفاوض غير المباشر الذي دعت اليه إيران، قد سبق التفاوض المباشر الذي ينعقد السبت، كما قال ترامب، وعلى أعلى مستوى، لضمان عدم فشل التفاوض، والفشل أشد خطورة من عدم انعقاد المفاوضات، ووصل الطرفان إلى ترجيح فرص التفاهم، وهنا لا بد لأجل المستقبل، ولأجل الذين يروّجون ومنهم صحف عالمية كبرى مثل التلغراف، إلى أن إيران تخلت عن حلفائها في المنطقة، وأن سلاح حزب الله صار على الطاولة، وأن مستقبل المقاومة في غزة ترك لنتنياهو وحربه، وأن أنصار الله لن يحصلوا على أي مساعدة إيرانية، وأن الحشد الشعبي بدأ يفكك تشكيلاته تفادياً للاستهداف، أن نقول مسبقاً إن شيئاً من كل هذا لن يحدث، ونقول إن الاتفاق النووي عندما يتم التوصل إليه، سوف يترافق مع تخفيض مستوى التوتر في المنطقة بإعادة الاعتبار لمسار الاتفاقيات التي تمّ توقيعها حول لبنان وغزة ولم تنفذها “إسرائيل”، ولعل ما جرى في قمة القاهرة التي ضمّت الرئيسين المصري والفرنسي والملك الأردني، والتواصل الذي جرى بين المجتمعين والرئيس ترامب بمبادرة منه، إشارة إلى الوجهة المقبلة والدورين المصري والفرنسي في تحقيق التهدئة.

البرنامج الصاروخي الإيراني هو الذي يحمي إيران، وهو الذي قال بسببه الرئيس ترامب إن الحرب شيء سيئ وخطير ومعقد ويجب استبعاده، وكما في المرة السابقة التزمت إيران بمراعاة مخاوف أوروبية من مدى صواريخها، وهي اليوم قد تجاوزت هذه المخاوف صارت صواريخها تطال مساحة أوروبا، سوف تلتزم بعدم تطوير مدى صواريخها بما يثير القلق لدى واشنطن.

المفاوضات المباشرة على أعلى مستوى تعني أن التوصل إلى اتفاق صار مرجحاً، وإلا فلا مبرر للمخاطرة بفشل ذريع، وهذا يعني أن المفاوضات غير المباشرة قد رسمت الإطار، بعدما شهدت المنطقة حرباً ضارية وقفت فيها واشنطن بكل ثقلها على ضفة، ووقفت فيها إيران بكل ثقلها على الضفة المقابلة، وبعد خسائر ضخمة على الضفتين، فشل متبادل في تحقيق نصر حاسم، يفتح الباب للتسويات المتدرّجة، التي تكون بدايتها هذا التفاوض المباشر حول الملف النووي، ومفاوضات متعدّدة الأطراف حول الملفات الأخرى، تكون فيها أميركا ممسكة بـ”إسرائيل” طرفاً فيها، وإيران وقوى المقاومة طرفاً مقابلاً، ويكون لروسيا والصين وفرنسا ومصر والسعودية وتركيا أدوار هامة في مراحلها التالية.