Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر December 20, 2019
A A A
لماذا تُجرَّب حكومة الاختصاصيّين بعد فشل تجارب حكومات السياسيّين؟
الكاتب: اميل خوري - النهار

قال قطب سياسي مخضرم أن هكذا تحالفات تُعطي هكذا نتائج وأزمات، فلو أن أهل السلطة والسياسة احترموا الدستور نصّاً وروحاً لما كان لبنان يُواجه حالياً ما يواجهه، لما كانت أزمة الانتخابات الرئاسيّة دامت ما يُقارب الثلاث سنوات، ولا كان يواجه اليوم أزمة تشكيل الحكومة. لو احترم الدستور في الاستحقاق الرئاسي ولم يغب نوّاب عن جلسة الانتخاب بدون عذر مشروع بهدف التعطيل لكانت الانتخابات تحقّقت كما كانت في زمن انتظام المؤسّسات، ولو فعل نوّاب الأمس ارتكابات نوّاب اليوم لما انتخب كميل شمعون رئيساً للجمهورية لأن النوّاب الموالين للرئيس الشيخ بشارة الخوري كانوا تغيّبوا وعطّلوا النصاب.
ولما كان اللواء فؤاد شهاب انتخب رئيساً لو أنّ النوّاب المؤيّدين للرئيس شمعون تعمدّوا التعطيل ولا كان سليمان فرنجيه فاز بالرئاسة بصوت واحد لو أنّ خصومه غابوا. هذا الوضع وُجب تصحيحه بإلزام النوّاب حضور جلسات انتخاب رئيس الجمهوريّة ومعاقبة من يتغيّب للتعطيل كي لا تتكرّر المهزلة في الانتخابات المقبلة. وفي عملية تشكيل الحكومات، فإنّ نتائج الاستشارات النيابيّة هي التي تُسمّي الرئيس المكلّف تشكيلها، وليس كما يحصل بالتسمية وفق اتفاق مُسبق بين القوى السياسية ليُصبح إجراء الاستشارات عمليّة شكليّة، ويصير الاتفاق على تسمية الرئيس المُكلّف سابقاً للإجراء الذي نصّ عليه الدستور ومرافقاً لشكل الحكومة وتركيبتها من دون أي اعتبار لرغبة الرئيس المُسمّى. فلا استشارات نيابيّة تجرى تطبيقاً للدستور إلّا بعد اتفاق يفرّغها من مضمونها.
وجولة الاستشارات التي يُجريها لاحقاً الرئيس المكلّف مع الكتل صارت أيضاً بلا معنى، ولا قيمة، لأنّه يُدرك ومعه النوّاب، الاتفاق المُعدّ سلفاً، إذ بات المطلوب من رئيس الحكومة أن يخضع لاتفاق يضمن كل التفاصيل، ويفقد كل هامش للحركة، خصوصاً أنّه صار خاضعاً لإرادة الأحزاب في اختيار الحقائب وفرض الأسماء. وإلّا خسر الأصوات وفرصة التكليف والتأليف. حتّى البيان الوزاري صار مُعلّباً لا مجال واسعاً فيه لطرح الأفكار إذ صار نسخة مُنقّحة عن البيانات الوزارية السابقة.
وإذا ما أصرّ فريق على تطبيق الدستور ورفض التفاهم المُسبق فإن أحزاباً ستُقاطع وتمنع الميثاقيّة، وتحجب الثقة، أو سيؤدّي عدم التجانس بين أعضاء الحكومة إلى فشلها وقلّة إنتاجها، وهو ما تكرّر مع حكومات عدة سُمّيت زوراً حكومات “وحدة وطنيّة” أو “شركة وطنيّة” في ظل جشع بعض الأحزاب للحصول على وزارات “دسمة” و”سياديّة خدمة لمصالحها وموقعه لا لمصلحة وطنيّة، وهذه الحكومات ألغت المعارضة وإمكانيّة المحاسبة. وبات المهم في الاستشارات ليس تسمية من يُكلّف تشكيل الحكومة، بل الاتفاق على شكلها، وضمان الانسجام بين أعضائها “الألدّاء” في ظل شروط على كونها “تكنوقراط” أو “تكنوسياسيّة” حتّى بات يتعذّر على الرئيس المكلّف التوفيق بين مواقف متناقضة.