Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر December 7, 2019
A A A
لله يا محسنين لبنان يجوع؟
الكاتب: راجح الخوري - النهار

لم يكن أحد في حاجة الى معرفة الواقع الكارثي الذي وصل اليه الوضع المالي والاقتصادي في لبنان، والذي دفع الرئيس سعد الحريري امس الى توجيه رسائل استغاثة الى كل من السعودية وفرنسا وروسيا ومصر وتركيا والصين وايطاليا والولايات المتحدة، طالباً مساعدة لبنان في تأمين اعتمادات للاستيراد من هذه الدول بما يؤمن استمرار الأمن الغذائي والمواد الأولية للانتاج والوقود والأدوية، ليعرف أن لبنان صار دولة متسولين وجمهورية لله يا محسنين!

ليس خافياً على اللبنانيين أنهم باتوا مواطنين في دولة منهوبة ومسروقة وان دينها العام وصل الى مئة مليار دولار، وان المبالغ التي نهبها المسؤولون والسياسيون تجاوزت ٣٢٠ مليار دولار تنام في المصارف الأجنبية، ولا هو خافٍ ان السرقات ستستمر والنهب سيتواصل، حتى بعد وصول رسائل الرئيس الحريري، وبالتأكيد ستقع تلك الدول في حيرة من أمرها أمام سؤال بسيط:

لماذا نساعد بلداً تحكمه طبقة من السياسيين اللصوص منذ أربعين عاماً، وما الذي يمكن ان يتغيّر اذا قدمنا المساعدات له وهو يفيض يومياً بأخبار السرقات والصفقات والنهب، فلا تشاهد قناة تلفزيونية او نقرأ صحيفة الّا ونقع على طوفان من الفضائح وعمليات النصب، ثم يأتيك الحديث عما يسمى “الاخبار” الموجه الى القضاء.

ولكن يا حرام على القضاء، فهو يحتاج الى قضاة قارات لكي ينظروا في طوفان هذه الاخبارات، والأهم من ذلك كله أن معظم قضاته ممسوكون بالوصايات السياسية عينها التي ترتكب الموبقات، والأدهى أنه يمكن العثور في سجونه على ولد سرق دفتراً أو أرملة لم تدفع فاتورة، ولن تعثر على واحد من الحيتان السياسية التي اكلت الأخضر واليابس، أو من مرافقيها وأزلامها الذين نهبوا البلد!

لا داعي الى التذكير بالأوضاع الاقتصادية الحذرة في بعض الدول التي ستتلقى رسالة الحريري، ولا داعي أيضاً لمعرفة ما سيقوله أهل الغيرة الوطنية والحرص على الكرامة، من أن من يعطيك المساعدة له حسابات ومآرب وخطط، فنحن لم ننسَ بعد ما قيل مثلاً عن الثورة المندلعة منذ خمسين يوماً من أن وراءها دولاً تموّل وتتآمر!

ولست أدري كيف سيتمّ تنظيم التناقض السياسي في “الازدحام” بين المساعدات الأميركية والروسية والصينية، وان كنت من الذين لا يصدقون أنها ستصل أصلاً، لأن دول العالم كله تعرف ان الشعب اللبناني الذي يقبل ان يجوع لأن دولة النهب تسرقه، لا يستحق ان يحصل على أي مساعدة، أولم يذكرنا المسيو بيار دوكين قبل شهرين بالمثل الذي يقول : ساعد نفسك لنساعدك!

لبنان ليس دولة أيها المحترمون، لبنان كرم على درب، أرض سائبة تعلّم الحرام، دولة لله يا محسنين، لكن المساعدات ان وصلت سيستولي عليها الذين نهبوا البلد من زمن، ثم هناك في العالم مجاعات وفجائع وشعوب تعيش في العصر الحجري وليس من يمد لها يد المساعدة، ولكل مساعدة ثمن؟!

نصف اللبنانيين في البطالة، ثلثهم تحت خط الفقر، وعدد كبير منهم على طريق الانتحار عوزاً، والدول التي تراقبنا تعرف كل هذا، وتعرف ان أسيادنا الرؤساء والوزراء والنواب الحاليون والسابقون والمرحومون، ومئآت آلاف المديرين والـ٣٢٠ الف موظف الذين يعملون او لا يعملون، قد قبضوا رواتبهم بسعادة غامرة قبل يومين، دون أي تفكير في حسم او تضحية من أجل بلد يُذِل الناس للحصول على ٣٠٠ دولار من مدخرات العمر، بينما كان السعداء من العمال يقبضون نصف راتب، أما التعساء فيصرفون من العمل لأن المعامل والمؤسسات أفلست أو تكاد … ولله يا محسنين!