Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر January 17, 2019
A A A
لقاء بكركي: “لا” قاطعة لاستباحة الطائف
الكاتب: النهار

لعل الايجابية الكبيرة في ما أفضى اليه لقاء رؤساء الكتل النيابية والاحزاب والنواب الموارنة في بكركي أمس والذي شكل حدثاً اخترق أجواء التأزم السياسي، كما حرف الانظار عن الاستعدادات الجارية لانعقاد القمة التنموية الاقتصادية والاجتماعية العربية في بيروت، ان هذا اللقاء اكتسب دلالاته البارزة من نص البيان الختامي الذي صدر عن المجتمعين أكثر من أي أمر آخر متصل به. وبدا واضحا ان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي نجح في أمرين أساسيين وفرا للقاء الماروني الخروج ببيان ثوابت يمكن ان يشكل احدى الوثائق البارزة والمهمة والمفصلية لبكركي في ذروة لحظة مصيرية يمر بها لبنان وتتهدد نظامه الدستوري والاصول التي يرعاها اتفاق الطائف. الامر الاول تمثل في توقيت اللقاء وسط التخبط الواسع الذي تشهده البلاد منذ تمادت أزمة تأليف الحكومة وبدأت تثير مخاوف واقعية وجدية من الانحرافات السياسية المتعاقبة في أصول تأليف الحكومات عبر تجاوز صلاحيات الرئيس المكلف كما رئيس الجمهورية بالاضافة الى اتساع القلق من التدهور الاقتصادي والاخطار المحدقة بالواقع المالي. أما الامر الثاني فهو نجاح بكركي “النادر” في ابراز اجماع سياسي ماروني جعل مجمل التناقضات السياسية للاحزاب والزعامات والكتل المارونية تتراجع لمصلحة بيان تضمن مواقف حازمة وثابتة في الدفاع عن الدستور والنظام والطائف ورفض استباحتها تحت وطأة اعراف طارئة.
وبين الكلمة الافتتاحية التي القاها البطريرك الراعي والبيان الختامي للقاء اتخذت المواقف التي توافق عليها المجتمعون ابعاداً مهمة لجهة بلورة موقف ماروني بابعاد وطنية كما شدد على ذلك جميع المشاركين في اللقاء، ولو ان اشتباكاً سياسياً شاب اللقاء ومناقشاته بفعل السجال الذي حصل بين رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل ورئيس “تيار المرده” سليمان فرنجيه وكاد يكهرب الاجواء. أما أبرز النقاط التي تضمنها البيان الختامي الذي وصفه أحد المراجع المسيحية بانه “اشبه بنداء – ثوابت يتعين درس مضمونه بدقة والتعامل معه بحكمة واسعة” فكانت في التشديد على ان “هوية لبنان التاريخية التي تعكس كيانه الروحي العميق، هي التي طبعت دستوره، وليس لاحد ان يصنع للبنان هوية جديدة مغايرة لحقيقته “. كما أبرز البيان “التمسك باحترام الدستور وسيادة الدولة ورفض كل ما من شأنه المسّ بتوازن المؤسسات الدستورية وصلاحيات كل منها وفي مقدمها رئاسة الجمهورية، بما هي رئاسة للدولة ورمز لوحدة الوطن. لان احترام الصلاحيات المنوطة بمسؤولي الدولة والتعاون المتكافئ بين السلطات الثلاث يحمي الدستور ويخدم مصلحة الوطن والناس ويعزز مناعة الدولة وهيبتها “. ودعا الى “وجوب تطبيق الدستور، نصًا وروحًا، ورفض تحويل أي استباحة له الى عرف جديد واعتبار المؤسسات الدستورية الإطار الوحيد لمناقشة الأزمات السياسية وحلِّها ورفض جميع الأساليب التي تهدّد بالانقلاب على الدولة أو السطو على قرارها “. وطالب بالاسراع في تشكيل حكومة وفق الدستور وآلياته “تكون منتجة وتشكل حافزاً لدى المجتمع الدولي لمساندة لبنان. والتعاون مع رئيس الجمهورية والرئيس المكلف اللذين ناط بهما الدستور عملية التأليف حتى لا يبقى لبنان عرضة للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية”.
باسيل وفرنجيه
إلا أن السجال الذي طغى على بقية الملفات في النقاش الذي حصل بين المجتمعين، كان استناداً الى مصادر “النهار”، موضوع تأليف الحكومة والثلث المعطل لحصة رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر”.
وقال باسيل في مداخلته : “نحن لا نطالب بالثلث المعطل، لكن تمثيل تكتل لبنان القوي، إضافة الى حصة رئيس الجمهورية، منحنا الثلث في الحكومة، واذا صاقبت الارقام هيك شو منعمل؟ هل المطلوب ان نتخلى عن تمثيلنا؟ لماذا استحضار الخلاف الى الشارع المسيحي، علما أنه في مكان آخر؟”. واضاف: “ان المسيحيين موجودون بقوة أكبر بفضل قانون الانتخاب في الدولة منذ الطائف حتى اليوم، ونحن لم نطلب من أحد ان يعقد اجتماعاً لدعم العهد والتيار، ويا سيدنا، هل نحن من طلب اللقاء أم انتم اتصلتم بنا، لان دعم رئاسة الجمهورية هو ثابتة تاريخية عند البطريركية المارونية؟ “.
ألا أن الرد جاء سريعاً من فرنجيه فقال: “لم نأت الى هنا لدعم الثلث المعطل لرئيس الجمهورية والتيار لتحقيق مكاسب شخصية، والحكومة بتمشي إذا بيتخلى التيار عن اسم واحد. وبعكس ما يصور البعض ان الخلاف سببه تدخلات خارجية، بالعكس الخلاف مسيحي – مسيحي، والهدف رئاسة الجمهورية المقبلة، ومن هو ضدنا سنكون ضده “.
واشادت مصادر “القوات اللبنانية” بالاجتماع الماروني في بكركي شكلاً ومضموناً و”بدور البطريرك الراعي الضامن للوحدة الوطنية والمسيحية والحارس للثوابت اللبنانية”، وقالت لـ”النهار” إن “الموارنة نجحوا في تقديم صورة مشرقة وحضارية لحوار راق بين مختلفين تحت سقف بكركي، خلافا للصورة الموجودة في البلد، ونجحوا في الخروج ببيان ختامي يشكل وثيقة إضافية من وثائق بكركي التاريخية بدفاعها عن سيادة الدولة واستقلالها والعيش المشترك داخلها وتمسكها بالدستور واتفاق الطائف ورفضها تكريس أعراف جديدة وحرصها على توازن السلطات وتعاونها وتشديدها على علاقات خارجية ترتكز على المصلحة اللبنانية العليا والتزام الشرعيتين العربية والدولية والدفع في اتجاه تشكيل حكومة لإنهاء الفراغ ومواجهة التحديات الاقتصادية “.
وقالت هذه المصادر: “لا يمكن تحقيق أي شيء بسحر ساحر، بل بالتراكم، ولقاء بكركي يصب في هذا الاتجاه وهو رسالة في أكثر من اتجاه وفي طليعتها ان الطائف خط أحمر، ويخطئ كل من يعتقد ان الموارنة سيقفون موقف المتفرِّج على ضرب الدستور أو انهيار الوطن الذي ساهموا مساهمة أساسية في قيامه كنموذج للتعايش والحوار والتفاعل”.