Beirut weather 18.54 ° C
تاريخ النشر January 16, 2021
A A A
لعنة الـ”هيركات” تُلاحق فقراء لبنان… من بوابة المساعدات الخارجية
الكاتب: خالد أبو شقرا - نداء الوطن

قد يكون مفهوماً، ولو انه ليس مقبولاً، تسديد الودائع بالعملات الأجنبية، بالليرة اللبنانية حصراً وبغير قيمتها الحقيقية. ولكن ما ليس مفهوماً ولا مقبولاً هو إمتناع بعض المصارف عن دفع الحوالات المالية لعدد غير قليل من الجمعيات بالدولار، واشتراطها تسديدها بحسب سعر المنصة وبكوتا محددة.
“المصارف غير مجبرة على إعطاء الدولارات للزبائن بل هي مجبرة على دفعها بالليرة اللبنانية”، قالها حاكم مصرف لبنان في بداية الأزمة من العام 2020. من بعدها جرى إبتداع ما أصبح يعرف بحسابات “الدولار الطازج”، وهو الدولار الداخل إلى النظام المصرفي من الخارج أو نقداً من الداخل. وعلى الرغم من فرض مصرف لبنان على البنوك تسديد المبالغ كاملة بالعملة الاجنبية وترك حرية التحويل الآني او اللاحق للعميل مفتوحة، فان الكثير من المصارف ما زالت لغاية الساعة تستنسب في الدفع. فبعضها لا يدفع الحوالات إلا بالليرة وعلى سعر صرف المنصة، والبعض الآخر يعمد إلى تسديد نسبة مئوية نقداً بالدولار ويترك النسبة المتبقية من مجمل المبلغ المحول في حساب العميل. المبلغ الباقي يخضع حكماً للتعميم 151، ولا يعود للعميل الحق بسحبه إلا بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف المنصة، وبكوتا محددة شهرياً حدها الادنى 400 دولار أميركي أو مليون و560 ألف ليرة لبنانية. وفي جميع الحالات فان البنوك تأخذ عمولة مرتفعة جداً على تسديد الحوالات، تصل إلى أكثر من 20 بالألف.
“الوولار”
“الهيركات” المنفذ بقرارات إستنسابية من المصارف على الحوالات والمساعدات المقدمة للجمعيات أخذ شكلاً رسمياً مع “قرض الحماية الاجتماعية” المقدم من البنك الدولي. فالقرض البالغة قيمته 246 مليون دولار سيحتسب على أساس سعر صرف المنصة 3900 ليرة مضروباً بنسبة 1.6 في المئة، أي 246 مليون دولار ×6240 (3900 × 1.6% ) = 1535 مليار ليرة. في حين ان إحتسابه على سعر صرف السوق يرفع المبلغ إلى حدود 2000 مليار ليرة، ويسمح إما بزيادة عدد العائلات المستفيدة وإما برفع حصة العائلة الواحدة بأكثر من 800 ألف ليرة شهرياً. هذا الفرق المقدر بين 22 و30 في المئة سيبقى على الأرجح في مصرف لبنان ويدوّر مع المبالغ المخصصة لدعم السلع والمنتجات التي يهرب أكثر من نصفها إلى الخارج، “أو سيستفيد منه بعض المحظيين من أصحاب الواسطة لتهريب أرصدتهم أو جزء منها إلى الخارج”، بحسب الخبير الاقتصادي دان قزي. وبهذه العملية نكون قد أضفنا إلى أسعار صرف الدولار المتعددة سعراً جديداً أطلق عليه قزي اسم “الوولار” أو ما يعني دولار الـ world bank. خطورة “الهيركات” على قرض البنك الدولي انه يأخذ من أمام الفقراء مبلغاً هم أحق فيه من المصارف ومصرف لبنان، خصوصاً ان تسديد القرض سيقع في النهاية على عاتق المكلفين من المواطنين.
“هيركات” على أموال الجمعيات
ما ينطبق على قرض البنك الدولي يُطبّق على جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الدولية العاملة في لبنان، حيث تَعمد بعض المصارف إلى تسديد الحوالات المالية القادمة من الخارج الى الجمعيات على أساس سعر صرف المنصة أي 3900 ليرة، فيما تحتفظ بـ”الدولار الطازج” محققة ربحاً بنسبة 64 في المئة عن كل دولار محوّل. أمّا حجتهم فهي: تطبيق القانون والالتزام بسعر صرف المنصة المحدد من مصرف لبنان، وذرائع أخرى “مثل عدم الرغبة في تشجيع السوق السوداء وخلافه”، يقول قزي. “وفي النهاية تقتنع الجمعيات كونها هي أيضاً ملزمة بتقديم فواتير رسمية للجهات المانحة أو لشركات التدقيق المحاسبية، ومن المستحيل عليها ان تقدم مستندات رسمية بسعر صرف السوق، وأقصى ما يمكن ان تحصل عليه هو فاتورة من شركات الصيرفة بتحويل الدولار إلى اللبناني على اساس سعر 3900 ليرة. وبهذه الطريقة تحقق المصارف ربحاً صافياً بالدولار يبلغ حوالى 64 في المئة من قيمة الحوالات”.
المساعدات عصب الاقتصاد
المدير التنفيذي لشبكة المنظمات غير الحكومية العربية للتنمية زياد عبد الصمد يعتبر ان “هذه المساعدات التي تأتي للجمعيات سواء كان لتقديم المساعدات للمحتاجين أو تنفيذ مشاريع تنموية أو تغطية النفقات اللوجستية… تشكل اليوم عصب الاقتصاد وتساهم بشكل كبير في التخفيف من حدة الازمة الاقتصادية. وبالتالي فان دفع هذه المبالغ كاملة من قبل المصارف يعتبر أمراً ضرورياً لتخفيف المعاناة عن كاهل المواطنين”. فهذه المبالغ تصرف على الرواتب والمساعدات والخدمات بما يفيد الاقتصاد. و”على المصارف ان تكف عن اعتماد سياسة “المنشار” (يقتطع على الطالع والنازل)، حيث ان الكثير من المصارف لا تسدد بالدولار الطازج أكثر من 70 في المئة من قيمة الحوالات وتحتفظ بـ 30 في المئة الباقية”. وبحسب عبد الصمد فان حسابات fresh money التي تفتحها المصارف للجمعيات، دائماً ما تكون مشروطة باظهار العقد بين الجهة المانحة والجهة المتلقية، وهي تفرض على الجهات الداخلية، أي الجمعيات، اظهار الوثائق الثبوتية التي تظهر حتى طريقة استعمال الاموال والأغراض المخصصة لها أو وجهة انفاقها النهائية. كما ان هذه الاموال تأتي وفق عقود معروفة وجهة انفاقها مسبقاً، وتخضع لرقابة لاحقة من قبل الجهات المانحة. “وبالتالي فان هذه المبالغ تدخل على الاقتصاد اللبناني وتنفق باطار الخدمات، وتحمل تأثيراً اجتماعياً واقتصادياً كبيراً، حتى لو انها لا تمر في القنوات الرسمية”، برأي عبد الصمد.
بحسب آخر المعلومات فان البنك الدولي الذي وقع عقد القرض مع لبنان يعيد النظر بسعر الصرف المعتمد من قبل الجهات اللبنانية، ومن المتوقع ان يعود ويتم احتساب سعر صرف القرض على أساس سعر السوق. فهل تغير المصارف سياستها تجاه المساعدات وحوالات الجمعيات؟