حفظتَ شيئاً وغابت عنك أشياءُ. أبو حيان التوحيدي يقول لك عَبر “الإمتاع والمؤانسة”: “لا تأخذ أمرك بشهوات أَصعب منك عليك. دع الوقت يدخل بالنصيحة ويخرج بالإقناع. فقد ذهب عليك ها هنا، ليس كل ما في الدنيا يُوزَن، بل فيها ما يُكال، وفيها ما يُذْرَع، وفيها ما يُمسَح، وفيها ما يُحزَر، وفيها ما يُخطأ”.

الأخطاء كثيرة في حسابات التسرُّع، وللمرة الثانية، ثم الثالثة، ثم ها هي الرابعة تأخذك الى ما غاب عنك من المحاذير. يَوَاش يَوَاش. تكاد رغباتك تهتك كل ما تصبو اليه وتمنِّي النفس بالحصول عليه. انها تفضحك على ما يظهر، من غير أن تتعظ وتحاول الموْن على مشتهياتك، لعلك تهدأ ريثما يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود.

ردَّت أم كلثوم على الشاعر طلال حيدر، حين قال لها أنا شاعر وما بحب أغانيكي، “لسَّه بدري عليك يا ابني”.

فــوراً الــى الرئــاســة؟ هكــذا، وبخــطــاب فــي منــاســبــة يثــيــر حميَّــتــك ويكشــفــك. وربما يجدّك مَنْ حولك أنك غبت عن القواعد، والتطورات والتقاليد اللبنانية.

أبو حيان التوحيدي خاض كل التجارب، إنما بعقله. ثم بالبحوث، والمعارف: فعلى هذا لم ينفعك الوزن الذي كان عليه اعتمادك، وفي عدم تحقيقه سيكون الفشل الذي جنيت عليه واندفعت. وفي الحالين بقيت في مأزق نفسك. بل أخطأت، لأن الكلام واللغة واللفظ والافصاح والإعراب والأبانة والحديث والأخبار والاستخبار والعرض والتمنّي والنهي والطلب والاشتهاء، كلها من وادٍ واحد بالمشاكلة والمماثلة والنتائج الفاضحة. فالتريُّث أفضل.

هنا أيضاً، في هذا المنحى، ينصحك بالتأنّي، ويذكِّرك: “حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء. أخطأت مرّات من حيث يليق عليك أن تكون دارياً. وأنت محتاجٌ بعد هذا الى حركات أخرى. فإن الخطأ والتحريف في الحركات كالخطأ والفساد في المتحرّكات.

ولئلا تمضي قدماً في التعسُّف والغفلة، يحاول أن يهديك: “على أنّ ها هنا سرّاً ما عَلِقَ بكَ، ولا أسفر لعقلك، ورهطك عنه في منأى وهوس، وهو أن تعلم قبل أن تغرق في التباس الارتباك والخطأ غير الممكن من الرجوع عنه، ومحاولة غافلة”.

ندع التوحيدي لفترة راحته، لنعود الى موضوعنا بأسئلة بديهيَّة حول موجة جنون التهويل التي حلَّت بثقلها وما يترتَّب عليها، وجلست تماماً في منصب الموجة السابقة التي كادت أن تجرَّ لبنان الى أسوأ مما فعلت بوسطة عين الرمانة. هذه الموجة، في هول مضمونها وحيث لا زمانها ولا مكانها كشفا منك أكثر بكثير مما اشتهيت.

ومَنْ يدري، فقد يستجدُّ على أثرها عاملُ يجعل الطاولة تنقلب تلقائياً، وبأسلوب مضاد لما تصبو شهواتك اليه. وفوق كؤوس متعدِّدة. هذا نهجٌ لا يمتُّ الى السياسة. هذا لعب قريب من النار السياسيّة، والوضع اللبناني الواقف على نصف رجل، والتركيبة اللبنانية. لا يؤدي الى آمال، ولا الى أكثر من عواصف مُضافة.

النــاس الذين لم يهاجروا بعد، ولم يهربوا، ولم يفرّوا، امتلأت نفوسهم وقلوبهم وصدورهم بالاشمئزاز، بالغضب، بالنقمة، بل دفعت ضباع المال للوقوف في وجوه الناس الطفرانين، والذين لن يتردّدوا لحظة في قلب كل الطاولات.

أبو حيان، نقلاً عن أبي سعيد يبلّغك: لقد أخطأت، لأنك في هذا الفعل، تحتاجٌ الى كثير من اجتلاب الثقة…