Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر March 19, 2024
A A A
لجنة المؤشّر تحدّد اليوم حدّاً أدنى جديداً للأجور… فهل سيواكبها التجّار برفع أسعار السلع؟
الكاتب: سلوى بعلبكي - النهار

لم تطو مستجدات الأحداث السياسية والأمنية المتقدمة على ما عداها من تطورات محلية أخرى ملف تعديل الأجور في القطاعين والعام والخاص، وخصوصاً إعادة تحديد الحد الأدنى للأجر الشهري بعدما تآكلت الأرقام وسقطت أمام هول التضخم والانهيار الذي أصاب النقد الوطني.

فالقطاع الخاص بادر تلقائياً إلى تحقيق توازن مقبول على رواتب ومداخيل موظفيه وعماله وبالعملة الصعبة أحياناً كثيرة، دون انتظار الدولة التي بدورها ضاعفت بعد مخاض عسير عدد الرواتب الشهرية لموظفي القطاع العام والمتقاعدين.

وإن كان تعديل الحد الأدنى للأجور اليوم “لزوم ما لا يلزم”، فإن لذلك ضرورة إدارية ومحاسبية تحتاج إليها المؤسسات والشركات لإعادة تنظيم موازناتها السنوية، ولإعادة الانتظام الضريبي واشتراكات المؤسسات الضامنة إلى الانضباط تحت سقف مرجعية قانون ومرسوم موحد، بعدما سادت نتيجة المعالجات الموضعية والموقتة الفوضى والتفاوت في الأجور والمتممات.
وبناءً على ذلك لن يكون اجتماع لجنة المؤشر اليوم على موعد مع حماوة أو سجالات عالية الصوت والنبرة والتهديد بالشارع كالعادة. فالاتفاق سبق الخلاف، والتوافق أبرم من خارج التفاوض، والجميع بمن فيهم الاتحاد العمالي العام موافق على أرقام الزيادات (على هزالتها).
وبدورهم أرباب العمل مسرورون لتفهّم النقابيين صعوبة المرحلة ودقة الظروف الاقتصادية التي لا تسمح بأكثر ممّا اتفق عليه، مع وعد برفع الأجور والعطاءات فور تبدل الظروف والتقدم في النموّ والخروج من الجمود الاقتصادي.

ما تم قد تم، لكن مصادر نقابية تؤكد أن ذلك “لا ينبغي أن يحجب الاهتمام بالضمان الاجتماعي وحاجته إلى الكثير من الدعم والمؤازرة خصوصاً من فاعليات الإنتاج، وألا يتضمّن مرسوم تعديل الحد الأدنى للأجور العتيد، أي بنود إعفاء، أو تعديلات واستثناءات في نسب الاشتراكات والشطور على الأجور مهما كانت قيمتها أو عملتها. فالارتقاء بالرواتب والمداخيل يجب أن يتحقق بالتوازي مع مصلحة الضمان، وأن يصب ذلك بالإضافة إلى مصلحة الموظفين المالية، أيضاً في تعزيز قدرته ودوره في إرساء الأمن الصحي والاستشفائي للعمّال”.

وبما أن الضمان سبق أن عمّم على جميع المديريات والمكاتب الإقليمية والمحلية إحالة المؤسسات التي تتقدم بتصاريح أجور أو تصاريح استخدام أو ترك تتضمّن أجوراً أقل من 20 مليون ليرة لبنانية شهرياً، الى مديرية التفتيش والمراقبة، فإن السؤال: هل سيتراجع الصندوق عن هذا التعميم بعد أن يصبح الحد الأدنى 18 مليون ليرة، أم سيصر على اعتماد الـ20 مليوناً؟ المدير العام للضمان الدكتور محمد كركي أوضح لـ”النهار” أن الصندوق لم يحدد الحد الأدنى للأجور بالـ20 مليون ليرة، بل أكد أنه إذا صرّحت أي مؤسسة بأقل من 20 مليون ليرة فسنحيلها الى التفتيش، وتالياً بعد الاتفاق في لجنة المؤشر وصدور الحد الأدنى بمرسوم سنعتمد الرقم المحدد، علماً أننا حالياً لم نرد أي معاملة، بل نحيل ملف المخالفة الى التفتيش”.

إذن، حسم الاجتماع الذي عقد في السرايا الحكومية، برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وحضور كلّ من وزير العمل مصطفى بيرم ورئيس الهيئات الاقتصادية الوزير السابق محمد شقير ورئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، مسألة الحد الأدنى للأجور ليصبح 18 مليون ليرة، ومضاعفة المنح المدرسية إلى 4 ملايين ليرة في التعليم الرسمي، و12 مليون ليرة في التعليم الخاص عن كل تلميذ حتى 3 أولاد. هذا الاتفاق سيعلن عنه اليوم بعد اجتماع لجنة المؤشر، فيما أكد رئيس الاتحاد العمالي العام لـ”النهار” أن الهيئات الاقتصادية رفضت الاقتراح الذي تقدمنا به برفع الحد الأدنى الى 52 مليون ليرة، بناءً على دراسة أجراها الاتحاد العمالي، ولكن ذلك لا يعني أننا سنوقف التفاوض حول هذا الرقم، بل سنعيد المحاولة، ولكن أقله بعد استقرار الأوضاع الأمنية وعودة الهدوء الى الجبهات.

رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي شارل عربيد يرى أن “رفع الحد الأدنى للأجور الى 18 مليون ليرة، يجب أن يأتي ضمن إطار الحاجة الدائمة لرفع الأجور على أن يكون التصحيح تدريجياً لنصل بعد فترة معينة الى نسبة الأجور التي كانت عليها قبل الأزمة، علماً بأن الموضوع تجري معالجته داخل المؤسسات بالتفاهم المرن بين رب العمل والعامل، ووفقاً لحال كل قطاع إنتاجي”.

بالنسبة للتصريح عن الأجر الحقيقي للضمان يشير عربيد الى أن “صندوق الضمان يعتبر أنه مع رفع الحد الأدنى للأجور ترتفع تلقائياً مداخيل الصندوق. وفيما يسعى الضمان الى إجبار المؤسسات وأرباب العمل على التصريح عن المساعدات الاجتماعية التي تصرف للموظف بالدولار الفريش لإدخالها في أساس الراتب، بيد أن هذا الأمر وفق ما يقول عربيد تقابله “تساؤلات من بعض شركات القطاع الخاص، التي لا ترى على أرض الواقع أن الخدمات التي يقدمها الضمان الاجتماعي لموظفيها يوازي ما تسدده من اشتراكات”.

وإذ أقر عربيد بأن “الحد الأدنى المطروح لا يلبي حاجات الأسرة الواحدة، لذلك ثمة ضرورة للاستمرار في تصحيح الحد الأدنى تباعاً بما يتطلب اقتصاداً تنافسياً واستقراراً سياسياً في لبنان والمنطقة”، أكد أن “معدل الأجور اليوم مرهون بأوضاع القطاعات الاقتصادية، إذ لا يمكن مقارنة وضع مؤسسات أو مصانع تصدر الى الخارج وصححت أجور عامليها الى حد كبير، بمؤسسات أو شركات صغيرة أو لا تعمل كما هو مطلوب وهي حال الغالبية من المؤسسات والشركات التي لم تستطع رفع أجور موظفيها”.

على كل، يرى عربيد أن كل هذه الأمور مرهونة باستقرار الأوضاع السياسية والأمنية في لبنان والمنطقة، ليعود الاقتصاد الى تماسكه بعدما أصبح يميل الى الاقتصاد الموسمي أي الاعياد وموسم الصيف، مع ضرورة انتظام عمل القطاع الخاص ومؤسساته ليعود الانتظام والاستمرارية الى الإنتاج والاستهلاك، مع ضرورة إعادة الاعتبار الى الأجور لزيادة الاستهلاك”.
هل يمكن أن ترتفع أسعار السلع؟

وفي سياق الحديث عن الاستهلاك، يستبعد عربيد أن ترتفع الأسعار في الأسواق تزامناً مع رفع الحد الأدنى للأجور، معتبراً أن “التجار يأملون أن ترتفع نسبة الاستهلاك بفعل زيادة القدرة الشرائية لدى المواطنين، وينتظرون أن تزيد نسبة مبيعاتهم لذلك لن يقدموا على خطوة رفع أسعار السلع”.

في المقابل، لا تحبذ مصادر وزارة الاقتصاد أن تربط تصحيح الأدنى للأجور أو زيادته في القطاعين العام والخاص بارتفاع أسعار السلع، بل تضعها في إطار تحسين القدرة الشرائية للمواطنين. وذلك يعود برأيها لكون لبنان يستورد 80% من حاجاته أي إن اقتصاده مدولر، و”تالياً فإن الأسعار لن تتأثر إلا في حال ارتفاع سعر الصرف”. وفي السياق، تتخوف المصادر من أن تعجز الدولة عن تأمين جباية كافية يمكن أن توازي زيادة رواتب العاملين في القطاع العام، بما سيؤثر بشكل أو بآخر على سعر صرف الدولار، وتالياً يخفض تلقائياً القدرة الشرائية لدى المستهلكين”.

لكن في المقابل تستطرد المصادر بالقول إن “التجارب السابقة مع التجار في لبنان لا توحي بالخير وهذا ما ترجم في أزمة البحر الأحمر الأخيرة، إذ عمد بعض التجار الى رفع الأسعار أكثر من الهامش المحدد، كما عمد البعض الآخر الى رفع أسعار سلع لم تتأثر أساساً بزيادات الشحن التي خلفتها التوترات عند باب المندب في البحر لكونها لا تمر في مناطق التوترات، فبعضها يأتي من تركيا مثلاً، لذلك سطّرت وزارة الاقتصاد حينها محاضر بحق هؤلاء”.

وإذ تلفت المصادر إلى أنه عند كل زيادة في الرواتب أو في سعر الاستيراد، يلجأ بعض التجار الى تحصيل هذه الزيادات من المستهلك لكونه الحلقة الأضعف في هذه العملية، تنفي وجود رابط بين قرار دولرة الأسعار في المتاجر وارتفاع أسعار السلع، معتبرة أن “هذا الارتفاع مصدره التجار المحليون والأزمات العالمية وأبرزها الأزمة الروسية والتضخم في أسعار المؤن على المستوى العالمي، وكل ما خلفته حرب غزة الأخيرة”. وتؤكد أن “وزارة الاقتصاد تراقب يومياً الأسعار في نقاط البيع، كما تراقب أجهزة الوزارة سلسلة الإمداد أي مراقبة فواتير المستورد وصولاً الى أسعار السلع في المتاجر”.