Beirut weather 23.41 ° C
تاريخ النشر October 13, 2019
A A A
لجان التحقيق النيابية والطائفية
الكاتب: دوللي بشعلاني - الديار

لعلّ مطلب تشكيل لجان تحقيق نيابية في ملفات عدّة يسودها الغموض حول هدر المال العام والفساد مثل البواخر والنفايات وقطاع الإتصالات ومسألة التوظيف العشوائي وغير القانوني، ليس بجديد. ففي كلّ مرّة يتقدّم عدد من النوّاب بمثل هذا الإقتراح، علّه يكون الحلّ لاستعادة بعض الأموال المنهوبة من الدولة والتي ساهمت في زيادة الدين العام الذي ارتفع بشكل جنوني من 3.39 مليار دولار أميركي في العام 1993، ليتخطّى عتبة الـ 85 مليار دولار في العام الحالي (2019). ولأنّ لهذه اللجان دور يختلف عن دور اللجان النيابية العادية الـ 16، فقد نصّ النظام الداخلي لمجلس النوّاب في الفصل الثالث منه تحت عنوان «التحقيق البرلماني» من المواد 139 الى المواد 143 على آلية عمل لجان التحقيق وطريقة عملها. والسؤال المطروح هنا: هل يكفي أن ينصّ النظام على هذه اللجان، وكيف السبيل لكي تسلك مسارها الى الخواتيم السعيدة وتكون ذات جدوى؟

مصادر قانونية مستقلّة مطّلعة، تجد بأنّ لجان التحقيق النيابية مطلوبة اليوم للحدّ بعض الشيء من الهدر المالي الحاصل لمعالجة بعض الملفات الملحّة. ولكنّها قد تكون فعّالة أكثر في حال تمّ إشراك قضاة فيها غير مسيّسين أو على الأقلّ غير منتمين لأي من الأحزاب السياسية والكتل النيابية التي تتشارك السلطة إن في الحكومة أو في المجلس النيابي، وهذا الأمر شبه مستحيل لعدم وجود قضاة مستقلّين كليّاً. ففي ظلّ عدم وجود معارضة حقيقية حالياً، باستثناء حزب الكتائب، وبعض النوّاب المستقلّين مثل النائب بولا يعقوبيان، يصعب أن تُحقّق هذه اللجان المبتغى منها. ففي كلّ مرّة سيتهم فريق سياسي ما، الفريق الخصم بالفساد أو بنهب الأموال في ملف ما ستقوم قيامته الى جانب حلفائه ولا تقعد. وذكّرت بما حصل أخيراً في آذار الفائت، عندما اتهم حزب الله الذي أعلن عن محاربته للفساد، رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة بهدر 11 مليار دولار أميركي خلال عهده، فقام هذا الأخير وفريقه السياسي بشنّ حملة مضادة على ما أسماه «تُهماً ملفّقة» وذلك عبر مؤتمر صحافي فنّد فيه كيف أنّ «جميع الأموال أُنفقت على مدى السنوات الماضية في أماكنها ولحاجات الدولة»، وقام باتهام الحزب بأنّه يُحاول صرف الإنتباه عن حكم المحكمة الخاصّة بلبنان. وهنا أقفل باب الإتهام والردّ المضاد.

من هنا، فإنّ فتح الملفات وتراشق الإتهامات، وإيلاء اللجان النيابية مهمة التحقيق في الأموال المنهوبة، لن يفي بالغرض حالياً، على ما شدّدت، إلاّ إذا أراد النوّاب استعادة الأموال فعلاً لتغذية خزينة الدولة بها، بعيداً عن الإتهامات السياسية والطائفية والكيدية. ولأنّ هذا لا يحصل حالياً، مع الأسف، فإنّه لن يكون لهذه اللجان أي دور فاعل، ولهذا تُوافق عليها بعض الكتل النيابية المتمسّكة بمحاربة الفساد وترفضها أخرى لا تؤمن بنزاهة التحقيق ولا بأهداف اللجان السياسية.

وبما أنّ مطلب تشكيل اللجان ينبغي أن يُطرح على التصويت، كأي اقتراح قانون آخر أمام الهيئة العامة في مجلس النوّاب، وأن يحصل على النصف زائد واحد أي ما مجموعه 65 صوتاً نيابياً، فإنّ «الفيتوات» التي تعتمدها بعض الكتل تحول دون تأليف لجنة للتحقيق في ملف معيّن، وهذا ما يُعيق تطبيق المواد المتعلّقة في التحقيق البرلماني في النظام الداخلي لمجلس النوّاب إذ تبقى حِبراً على ورق. ولفتت الى أنّ القانون وفقاً للمادة 141 أعطى «للجنة التحقيق أن تطّلع على جميع الأوراق في مختلف دوائر الدولة وأن تطلب تبليغها نُسخاً عنها وأن تستمع الى الإفادات وتطلب جميع الإيضاحات التي ترى أنّها تُفيد التحقيق»، فيما نصّت المادة 143 منه على أنّه «يُمكن للمجلس أن يولي لجان التحقيق البرلمانية سلطات هيئات التحقيق القضائية على أن يُصدر القرار في جلسة للهيئة العامّة».

ولعلّ هذا ما يُخشى من أن تطبّقه اللجان في حال اتخذ القرار بتأليفها للتحقيق في قضية ما، مذكّرة بصفقة طائرات البوما الفرنسية (في العام 1994) التي اشتراها لبنان في عهد الرئيس الأسبق أمين الجميّل، وملف الرواسب النفطية (1999) الذي جرى خلاله اتهام وزير النفط شاهي برصوميان الذي تولّى وزارة النفط بين عامي 1995 و1998 مع 6 موظّفين آخربن بتهمة هدر أموال عامّة خلال ممارستهم مهامهم، وملف محرقة برج حمّود (في العام 2003) التي اتُهم فيه وزير المالية آنذاك فؤاد السنيورة بهدر الأموال العامّة بتوقيعه على اتفاقية تسوية مع الجانب الإيطالي بشأن معمل النفايات في برج حمّود، ألزم بموجبها الدولة اللبنانية بأن تتعهّد بدفع مبالغ مالية مع فوائدها تُعادل 52 مليون دولار أميركي من دون أن يُلزم الجانب الإيطالي بإنشاء المعمل. إلاّ أنّ النوّاب امتنعوا يومها عن التصويت على تأليف لجنة تحقيق في ملف السنيورة، ولم تستطع أي من اللجان الأخرى من استعادة الأموال المهدورة، كما لم تتمّ بالتالي معاقبة أي من المسؤولين عن سرقتها أو هدرها سدى، والتي بلغت مليارات الدولارات على مدى العقود الماضية. ولهذا طالبت المصادر نفسها بأن يُمنح مجلس النوّاب دوراً رقابياً أقوى وأفعل، على أن لا تتحكّم فيه الأحزاب السياسية المتورّطة بغالبيتها في الفساد، لكي يتمكّن من التوصّل الى نتائج حاسمة.