Beirut weather 15.41 ° C
تاريخ النشر March 14, 2018
A A A
لبنان ٨ و١٤ آذار: حسابات رومنطيقية وخاطئة
الكاتب: رفيق خوري - الأنوار

تغيّرت الدنيا في لبنان وحوله بين ١٤ آذار ٢٠٠٥ و١٤ آذار ٢٠١٨. لا في اتجاه المزيد من الصعود الوطني في لبنان بل في اتجاه المزيد من الانحدار نحو قاع العصبيات. ولا نحو مناخ الحريات السياسية والعروبة الجامعة في العالم العربي بل نحو المزيد من القمع وتهميش السياسة وطغيان التطرّف والقتل باسم الدين والتخفف من العروبة. ثورة الأرز صارت ذكرى لما بدا كأنه حدث قبل مئة عام، وباتت بالنسبة الى بعض أطرافها حملا ثقيلا يراد التخلّص منه للسير على دروب تحالفات وتفاهمات مصلحية جديدة. وثورات ما سمّي الربيع العربي انتهت الى حروب أهلية، وتصاعد التيارات الارهابية التكفيرية، وصمود أنظمة استبدادية، وعودة العسكر الى الامساك بأنظمة أخرى، وكلها في رعاية قوى عظمى دولية وقوى عظمى محلية غير عربية.

كان المشهد الواقعي يوم ١٤ آذار ٢٠٠٥ أسطوريا: الزحف الشعبي العفوي والحماسي الى ساحة الحرية يتخطى قدرة الأحزاب والتيارات التي دعت اليه. وفكرة ١٤ آذار أقوى من التحالف السياسي بين قيادات ١٤ آذار. والرهانات عالية على بناء دولة مدنية يستحقها لبنان وشعبه وتستحق هي ادارة الاستقلال الثاني. حتى الانقسام العمودي بين قوى ٨ و١٤ آذار، فانه كان تطورا ايجابيا مهمّا، بصرف النظر عن السلبيات، لجهة العودة الى الانقسام السياسي بين تحالفين متعددي الطوائف بعد سنوات من الانقسام على أساس طائفي. إذ تصور الحالمون ان هذه التجربة بداية مسار للوصول الى مستوى العمل السياسي والوطني في البلدان الديمقراطية، وهو التنافس بين الاتجاهات السياسية على تقديم أفضل المشاريع للبلد، والتضامن الكامل في القضايا الوطنية.

لكن الأحداث والوقائع كشفت ما في هذه الرهانات من رومنطيقية وما في الحسابات من أخطاء في قراءة الفصول المحلية والأدوار والألعاب الاقليمية والدولية. تحالف ١٤ آذار جرى تفكيكه بقوة المصالح الضيّقة. تحالف ٨ آذار بقي متماسكا الى حدّ ما بقيادة حزب الله. والخاسر الأكبر، بصرف النظر عمن خسر ومن ربح ومن استسلم لمن، هو لبنان الذي يتعرّض مناخه الوطني الى التسميم وتتجذر العصبيات الطائفية والمذهبية كأقوى سلاح في الانقسام السياسي.

واذا كان الانجاز الذي تكثر المفاخرة به هو الاجماع في الخطاب على سياسة النأي بالنفس عن صراع المحاور الاقليمية والدولية، فان الواقع هو اننا أكثر من أي وقت مضى جزء من صراع المحاور. لا بل ان لبنان مسرح للصراع بين مشروعين يواجه كل منهما عقبات هائلة تحول دون تحقيقه، ويدفع لبنان ثمن الصدام بينهما وثمن فشلهما وثمن أي نسبة من النجاح لأي منهما.
ومرحبا انتخابات وتحالفات.