Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر June 26, 2021
A A A
لبنان يواجه ثورة الفوضى
الكاتب: غسان حجار - النهار

“حين تعيق مجرى الدم في الشريان تكون السكتة، وحين تعيق مجرى الماء في النهر يكون الفيضان، وحين تعيق مستقبل شعب تكون الثورة”.
هذه الحكمة للكاتب الفرنسي الشهير فيكتور هوغو تنطبق على كل زمان ومكان. ربما لا يتمتع شعب لبنان بالمَيل الى الثورات بسبب من تركيبته التي تقوم على الخوف من الآخر، بدل التآخي في شعب واحد يمكن ان ينهض بالبلد، ولسبب آخر هو ان كل محاولات الحراك والتحرر، حتى تلك التي قادتها احزاب فاعلة، وصلت الى حائط مسدود، حتى بلغ لبنانيون كثر خلاصة مفادها ان لبنان لا يقوم إلا على تسويات، وهي كلمة مخففة لصفقات حيناً، وتقاسمات احياناً.
لكن على رغم عدم توافر الرغبة الجامحة للثورة، لان القيادات السياسية التي أرست دعائمها الطائفية والمذهبية، والنفعية والمصلحية أيضاً، أضف اليها قوانين الانتخابات المركّبة والمفصّلة على قياسها، فان الدفع باتجاه التغيير بات حتمياً وضاغطاً، لان النظام أصبح شديد التعقيد، ومعوّقاً لكل تقدم. فالانظمة التي لا تطور نفسها، لا بد من أن تأتيها عوامل خارجية تبدّلها، ولو تأخر الزمن احياناً.
ما يجري حالياً في لبنان، يتجاوز الازمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية، لان اللبنانيين اعتادوا الازمات، وعايشوا الحروب المختلفة، حروب أهل الداخل، والحروب الخارجية بقسمَيها، الحروب التي تُشنّ على لبنان، وحروب الآخرين على أرض لبنان كما كان يحلو لكبير “النهار” غسان تويني أن يسميها.
الخوف الكبير يتأتى من فقدان الامل، وموت القضية، وضياع الرجاء. يرى اللبنانيون اليوم، ان آفاق المستقبل سُدّت بالكامل امامهم، وامام اولادهم، وباتوا اكثر من اي وقت مضى يرغبون في الهجرة الى بلاد محترمة، بعضها القليل عربي، واكثرها اميركي – اوروبي، اي الى بلاد الاستعمار والرأسمالية المتوحشة، والامبريالية، كما يحلو وصفها من البعض المتهافت اليها.
في هذا الواقع الاليم، وتراجع الامل، لن يتمكن كل اللبنانيين من هجر وطنهم وارضهم واعمالهم المتعثرة، فالبعض لا يرغب في ذلك لاسباب وطنية عاطفية، والبعض الآخر لا يملك الامكانات والوسائل.
يقول فيكتور هوغو انه “حين تعيق مستقبل شعب تكون الثورة”. بالعودة اليه، فان الثورة حتمية، ولها أشكالها المختلفة، فالثورات ليست دائماً منظمة ومدروسة ولها قيادة واضحة (علماً ان غياب الهدف الموحد والقيادة الواضحة والتنظيم الدقيق تعدّ أسباباً لفشل الثورات). وفي ظل غياب التنظيم الدقيق، كما ذهاب لبنانيين كثر الى محاربة التغيير الفعلي، بل التصدي له خوفاً (غير مبرر) من ضياع “الحقوق”، وتمسكاً بالزعماء – الجلادين وحفّاري القبور، فان الثورة قد تتحول الى حال من الفوضى العبثية التي لا تخدم إلا تفاقم خراب البلد، وهذا ما شاهدنا فصولاً منه في انتفاضة 17 تشرين 2019، بعدما هجرها أهلها الحقيقيون، وأخلوا الشوارع لحفنة من زعران الاحزاب عملوا على تشويه صورتها، وإدخالها في المتاهات والزواريب، وربطها بتمويل خارجي وأهداف مشبوهة. وقد ساندت الاجهزة الامنية، أو بعضها، تلك الاحزاب والزعامات، من خلال خرق قوى الانتفاضة وتفريقها، بل تشتيتها، عبر خلق مجموعات داخل المجموعات، يسهل اختراقها والعبث بها.
هكذا، انهت السلطة المختلفة ظاهراً، والمتضامنة والمتكافلة باطناً، ثورة 17 تشرين، وعليها اليوم وغداً، ان تواجه الفوضى غير البناءة، اذ ان عمل المؤسسات الرسمية تهاوى كثيراً، وفقدت الدولة هيبتها، واستقوى عليها الجميع، وبتنا في الجحيم الموعود.