Beirut weather 23.49 ° C
تاريخ النشر April 8, 2025
A A A
لبنان يستوعب الضغوط الأميركية.. وخلاف حول الأولويات!
الكاتب: غسان ريفي - سفير الشمال

بات واضحا أن ما تمارسه إسرائيل من إستمرار في الإعتداءات والخروقات والإغتيالات والتدمير في لبنان يتماهى بشكل كامل مع السعي الأميركي لزيادة الضغط على المقاومة والعمل على محاصرتها وصولا إلى تسليم سلاحها تحت شعار بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية.

واللافت، أن أميركا التي تنادي بهذا الشعار تناقض نفسها بنفسها، خصوصا أنها تنظر بعين واحدة إلى المشهد اللبناني، فترى أن بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها يتحقق بنزع سلاح المقاومة، بينما لا تحرك ساكنا حيال الاحتلال الاسرائيلي للنقاط الخمس والاعتداءات المستمرة التي تنتهك السيادة الوطنية اللبنانية.

يمكن القول، أن أميركا خدعت لبنان مرات عدة، أولا عند إعلان إتفاق وقف إطلاق النار برعايتها مع فرنسا وتعهدها بالانسحاب الإسرائيلي بعد ٦٠ يوما والذي لم يحصل، وثانيا بعد التمديد، حيث وعدت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس بالانسحاب الاسرائيلي الكامل في ١٨ شباط الفائت ولم تف إسرائيل بذلك، وثالثا عندما حاولت إستدراج لبنان إلى تشكيل لجان سياسية دبلوماسية للتفاوض مع إسرائيل حول الانسحاب الكامل والترسيم الحدودي والأسرى بما يشكل تطبيعا مقنعا مع العدو.

ولم تكتف أميركا بذلك، بل هي تضغط اليوم من خلال مبعوثتها أورتاغوس من أجل إراحة إسرائيل والمطالبة بنزع سلاح المقاومة بشكل سريع وربط هذا الأمر بالعلاقة المستقبلية بين لبنان وأميركا، حيث عبرت أورتاغوس عن ذلك بوضوح عندما خيرت السلطة والشعب بين السلاح وبين إقفال باب المساعدات الأميركية.

واللافت، أن أميركا التي تدعي الحفاظ على سيادة لبنان وحماية أمنه وإستقراره، لا تقيم وزنا للتداعيات التي يمكن أن تنتج عن تنفيذ مطالبها بالسرعة التي تريدها، حيث يدرك الجميع أن مسألة السلاح لا يمكن أن تحل بين ليلة وضحاها وأن التحديات الناتجة منه قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه في حال لم يتم التعاطي معها بكثير من الحكمة والحنكة وعدم الاستفزاز، خصوصا أن ثمة بيئة شعبية واسعة في لبنان لم يعد لديها ما تخسره وبالتالي فإنها قد تستميت في الدفاع عن وجودها وعن حضورها ونفوذها، شأنها شأن أي بيئة أخرى، حيث أن الحفاظ على التوازنات السياسية والطائفية في لبنان هو وحده الكفيل بتأمين الاستقرار وتوفير الأمن المنشود.

وبدا واضحا من جولة المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، أن ثمة إختلافا مع المسؤولين اللبنانيين بما يتعلق بالأولويات، حيث أن الأولوية اللبنانية تقضي بالانسحاب الإسرائيلي ووقف الخروقات والاعتداءات وإطلاق الأسرى ومن ثم البحث في سحب سلاح المقاومة وهذا ما عبر عنه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في مناسبات عدة، أما الأولوية الأميركية فهي نزع سلاح المقاومة بالدرجة الأولى ومن ثم البحث في القضايا الأخرى، علما أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو سبق وضرب كل التطمينات الأميركية بعرض الحائط، عندما أكد أن إسرائيل لا تنوي الانسحاب من النقاط الخمس ولن توقف إعتداءاتها على لبنان، ما يجعل كل الحراك الأميركي في هذا الاطار لزوم ما لا يلزم كونه لا يستطيع الضغط على إسرائيل التي تمعن في خرق القرار ١٧٠١ وإتفاق وقف إطلاق النار، مقابل إلتزام كامل بهما من قبل لبنان دولة ومقاومة.

أمام هذا الواقع، يبدو أن لبنان الرسمي قد إستوعب الإندفاعة الأميركية نحو سحب السلاح والإصلاحات الاقتصادية، فأعطى الثانية وإحتفظ لنفسه بالأولى، ويبدو أن الاجتماع الذي عقد بين الرئيسين جوزاف عون ونبيه بري قد وضع الخطوط العريضة لكيفية التعاطي اللبناني مع الشروط الأميركية إضافة إلى سلسلة من الثوابت والمسلمات اللبنانية التي لا يمكن تجاوزها وفي مقدمتها عدم السماح بالفتنة التي قد تنتج عن تلك الشروط التي تصب جميعها في مصلحة إسرائيل، ومنع حصول أي إستفزاز بعبارات ومصطلحات يصر البعض على إستخدامها، ومحاولة إستيعاب المقاومة بتعاطيها الإيجابي مع التطورات وتجاوبها الكامل مع الدولة وإلتزامها بوقف إطلاق النار وكذلك بضبط النفس حيال الاعتداءات الصهيونية المستمرة، ومقاربة السلاح ضمن إستراتيجية الأمن الدفاعي والوطني.

لا شك في أن الموقف اللبناني الرسمي من شأنه أن يحمي البلاد ويجنبها الكثير من التوترات، لكنه قد لا يرضي الولايات المتحدة الأميركية التي عبرت مبعوثتها أورتاغوس عن موقفها الذي ما تزال أصداءه تتردد عند بعض التيارات السياسية التي تستخدمها أميركا في ممارسة المزيد من الضغط والاستفزاز والاصطياد بالماء العكر!..