Beirut weather 17.11 ° C
تاريخ النشر November 28, 2025
A A A
لبنان يستعيد نبض الرجاء… البابا لاون 14 على أرض الرسالة بعد يومين
الكاتب: دوللي بشعلاني

كتبت دوللي بشعلاني في “الديار”

يومان فقط ويُصبح الحدث التاريخي الذي يُلامس القلوب، ويُشعل المشاعر عندنا، بعد تركيا. فالبابا لاون الرابع عشر سيخطو على أرض لبنان، بعد ظهر هذا الأحد في 30 تشرين الثاني الجاري، حاملاً معه رسائل السلام والمحبة والأمل والرجاء. وسيعيش اللبنانيون مع خطواته وتنقّلاته ومحطاته وكلماته، حدثاً تاريخياً لا يُنسى حتى يوم الثلاثاء في 2 كانون الاول المقبل.

ويتنفس اللبنانيون هذه الفرصة التي لن تتكرّر قريباً كنسيم يروي ظمأ قلوبهم، بعد سنوات من التحديات والأزمات، لتتجدّد فيه روح الوحدة والتلاقي بين مختلف الطوائف والمناطق. فزيارة بابا روما لن تكون مجرد حدث ديني وزيارة رسولية، إنها وعد بالتقارب بين الناس والمصالحة… فرصة لنتذكّر ما يجمعنا أكثر ممّا يفرقنا، ومناسبة ليشعر كلّ لبناني بأنّ حضوره وأمله مهمّان، لا سيما المسيحيين فيه كونهم منارة الشرق.

 

انتهى تجهيز الطرقات التي سيسلكها موكب قداسة البابا، وازدانت الطرقات بعلَمي لبنان والفاتيكان، ورفعت صور الضيف الكبير، واللافتات المرحّبة به. وعملت الدولة بكلّ أجهزتها وطواقمها على تجييش طاقاتها وقدراتها، لتنظيم كلّ المواقع التي سيزورها قداسته بشكل يليق بالضيف الاستثنائي المنتظر… تبقى اللحظة التي سيلتقي فيها الإيمان بالإنسانية، وتشعر فيها القلوب النابضة بالرجاء بأنّ لبنان، رغم كلّ صعوباته، لا يزال “وطن الرسالة”، و”بلد السلام”.

 

اللمسات الأخيرة

التحضيرات النهائية لزيارة رأس الكنيسة الكاثوليكية شارفت على الانتهاء، على ما يقول نائب المسؤول الليتورجي عن القدّاس الاحتفالي للبابا، الأب نعمة الله مكرزل، وتوضع اللمسات الأخيرة في كلّ من المحطات التسع الرئيسية التي سيتوقّف عندها قداسة الحبر الأعظم. فمنذ إعلان موعد هذه الزيارة الرسولية، انطلقت في الأرجاء تعبئة غير مسبوقة. تضافرت جهود القيادات السياسية والروحية، والكنائس والمجتمعات المدنية والأمنية، والحركات الدينية، لتجعل من هذه الزيارة مناسبة وطنية جامعة، تمثّل أمل لبنان لجميع أبنائه.

فمن لحظة وصول قداسته إلى مطار بيروت تبدأ مراسم الاستقبال الرسمية، وسيتمّ إطلاق 21 طلقة مدفعية، في إشارة رمزية إلى الترحيب الرسمي بالبابا كرئيس لدولة الفاتيكان. من ثمّ ينتقل البابا إلى القصر الرئاسي في بعبدا حيث يلتقي رئيس الجمهورية جوزاف عون ثم رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، ورئيس مجلس الوزراء نوّاف سلام. ويجتمع بعد ذلك مع السلطات وممثلي المجتمع المدني والسلك الديبلوماسي، ويُلقي كلمة سياسية يتوجّه فيها برسائل قوية إلى لبنان والعالم. ومن ثم ينتقل إلى السفارة البابوية ليبيت هناك.

صلاة وشمعة وكلمة في عنّايا

في اليوم الثاني (الاثنين في 1 كانون الاول المقبل)، يبدأ البابا لاون 14 تتقّلاته بسيارة “البابا موبيلي” المكشوفة الخاصّة به، في حال لم يكن الطقس ماطراً، والتي تجعله على مقربة من المؤمنين المحتشدين على الطرقات التي سيسلكها خلال زيارته. وسيتجمّع المؤمنون حاملين اللافتات الترحيبية بالضيف الكبير وملوّحين بالأعلام، آملين رؤية قداسته ولو بشكل خاطف وبنيل بركته البابوية.

ويستهلّ قداسته يومه هذا بزيارة ضريح القديس شربل في دير مار مارون عنّايا صباحاً، حيث يُصلّي صلاة صغيرة باللغة الفرنسية، على ما يوضح الأب مكرزل، ويُضيء شمعة عسلية اللون من صنع رهبان الدير. ويُلقي كلمة مقتضبة ثم يقوم بزيارة المتحف.

ونشرت دوائر الفاتيكان المختصّة نصّها الكامل في الكُتيّب الرسمي للاحتفالات الليتورجية التي يترأسها قداسة البابا خلال زيارته الرسولية إلى تركيا ولبنان. وجرت ترجمته إلى اللغة العربية، يقول فيها: «يا رب، يا مَن منحتَ القديس شربل، حارس الصمت في حياة الخفاء، أن يستنير بنور الحقيقة ليتأمّل أعماقَ محبتك، هَبْ لنا، نحن السائرين على مثاله، أن نخوض في برّية هذا العالم جهادَ الإيمان الحسن، وأن نسير بفرح على خطى ابنك يسوع المسيح. ليدلّنا خادمك، الذي عاش في سرّ الصلاة وغلب التجارب بأسلحة التوبة، على عظمة رحمتك، وليعلّمْنا صمتَ الكلمات وقوّةَ الأفعال التي تفتح القلوب. ليستمدَّ لنا من يسوع المسيح، الذي حرّرنا من كلّ شرّ، صحّةَ الجسد والروح، وليَشْفَعْ فينا على الدوام، حتى يكون لنا نصيب مع القديسين في الملكوت الأبدي. لك المجد والتسبيح، أيها الآب والابن والروح القدس، آمين”.

 

وردة من ذهب لأمّ النور

ينتقل البابا لاون بعدها إلى لقاء البطاركةً والأساقفة والرهبان والراهبات والمكرّسين الذي سيُعقد في بازيليك سيدة لبنان في حريصا، والذين سيبلغ عددهم نحو ألفي مشارك. وسيتمّ خلال هذا اللقاء، قراءة نصّ من الإنجيل، على ما يضيف الأب مكرزل، يعطي بعده قداسته تعليم وعظة وكلمة للمكرّسين في لبنان. وجرت التحضيرات لكي ترتدي البازيليك حلّة مرتّبة تليق ببابا روما.

وتمّ نقل تمثال “أمّ النور» المصنوع من خشب الأرز والذي تمّ من خلاله تكريس لبنان للعذراء مريم في العام 1950، وجالوا به يومذاك على جميع المناطق اللبنانية، من المزار إلى البازيليك. وكان البابا يوحنا الثالث والعشرون، عندما كان لا يزال كاردينالاً قد ألبس تمثال العذراء نفسه تاجاً من الذهب، ومن ثمّ البابا بنديكتوس أهداها مسبحة.

واليوم البابا لاون سيُقدّم لها هدية ثمينة هي عبارة عن وردة من ذهب، سيتمّ وضعها أمام التمثال. ومن ثمّ سيقوم البابا بجولة في أرجاء المزار.

اللقاء المسكوني: وحدة وحوار

بعد ذلك، ينتقل قداسة البابا، إلى السفارة البابوية حيث اللقاء الخاص مع البطاركة الكاثوليك. ويضمّ هذا اللقاء، على ما يشير الأب مكرزل، بين 8 إلى 12 بطريركاً: 4 بطاركة من لبنان (الماروني، السرياني، الأرمني والروم الكاثوليك) و4 آخرين من دول الجوار (الأقباط الكاثوليك، الأنبا إبراهيم إسحاق، بطريرك اللاتين في القدس، والكلدان من العراق)، وآخرين. وبعد الظهر، يُعقد اللقاء المسكوني والحواري بين الأديان في ساحة الشهداء يضمّ، إلى جانب قداسته، عدداً كبيراً من قادة الطوائف الروحيين وعددهم 17 رجل دين، بحسب عدد الطوائف اللبنانية.

وقد نُصبت خيمة كبيرة في المكان خصّيصاً لهذا اللقاء، مع ديكور يُعطي انطباعاً بأنّه يحصل داخل منزل لبناني. في حين وُضعت المنصة في الوسط على شكل دائري للدلالة على المساواة والوحدة بين جميع الأديان. وألصقت على أطرافها كلمة “السلام» بأحرف ضخمة في اللغات العربية والفرنسية والإنكليزية والسريانية. على أن يجلس البابا إلى جانب رجال الدين، ويلقي كلمة دينية وروحية عن أهمية الحوار والتعايش بين الأديان.

الشبيبة واللقاء الأبوي

ويختتم البابا لاون يوم الثاني في لبنان بلقاء مع الشباب في ساحة الصرح البطريركي الماروني في بكركي. والديكور الذي يُظلّل المنصّة التي سيجلس عليها قداسته يحمل عبارات ثلاث هي: الروح والأمل والنور. ما يدلّ على روح الشباب والأمل بمستقبل أفضل بنور المسيح. وعُلم بأنّ عدد الشبيبة التي ستُشارك في هذا اللقاء يبلغ نحو 10 آلاف شخص جلوساً وألف وقوفاً.

وبعد أن يستمع البابا لاون إلى كلمة الشبيبة اللبنانية التي تتضمّن المطالب والهواجس العامّة، سيُلقي بدوره كلمة تتضمّن توصيات للشباب اللبناني، ورسالة دعم وتشجيع لهم.

وتحدّثت المعلومات عن توزيع حمامة بيضاء لكلّ شاب وشابة من المشاركين في اللقاء، على أن يتمّ إطلاقها في نهايته في سماء لبنان، كدليل ساطع على تعطّش الشباب اللبناني للسلام.

مواساة المرضى وعائلات الضحايا

أمّا اليوم الثالث والأخير، فيبدؤه البابا عند الثامنة والنصف صباحاً بزيارة الطاقم الطبّي والوظيفي والمرضى في مستشفى راهبات الصليب في جلّ الديب، حيث سيلتقي نحو 350 شخصا. وقد جرى توسيع إحدى القاعات لتتسع لهذا العدد. وسيكون الحبر الأعظم على تماس من هذه العائلة الصغيرة التي تعاني نفسياً وجسدياً ومادياً. وسيقوم المشاركون بغناء النشيد الذي حُضّر خصيصاً لهذه الزيارة بعنوان “حلّت عنّا البركة كلّها”.

تليها الصلاة الصامتة لقداسته في موقع انفجار مرفأ بيروت، حيث سيُضيء شمعة على شكل وردة أمامه. ويصلّي لراحة نفوس الضحايا الذين وصل عددهم إلى أكثر من 235 شهيداً وشهيدة. ويلتقي قداسته بمئتي شخص من عائلات الضحايا في الموقع لمواساتهم كأب لهم.

القدّاس والمشاركة الأوسع

وفي ما يتعلّق بالمحطة الأساسية التي ستجمع البابا لاون مع أكبر عدد ممكن من المؤمنين في القدّاس الإحتفالي، الذي سيقيمه في الواجهة البحرية لبيروت، يقول الأب نعمة الله إنّ الحضور سيكون رسميا وديبلوماسيا وشعبيا ويتوقّع أن يصل عدده إلى 120 إلى 150 الف مشارك من مختلف الطوائف والأديان. على أنّه تمّ وضع 80 الف كرسي، في حين سيضطر غير حاملي البطاقات إلى المشاركة وقوفاً. وجرى تقسيم الساحة إلى zones ملوّنة، وتأمين باصات لنقل الحشود من مناطقهم إلى مكان القدّاس بحسب خطة منظّمة جرى الحديث عنها، ثم إعادتهم إلى رعاياهم.

وقال إنّ التراتيل الدينية ستبدأ عند السابعة من صباح الثلاثاء (في 2 كانون المقبل)، يحييها عدد من المغنين والمرنّمين أمثال جومانا مدوّر وعبير نعمة. بعدها صلاة المسبحة. ثمّ يعطي المسؤول الليتورجي للقدّاس الأب هاني مطر الإرشادات التوجيهية التي يجب على المشاركين التقيّد بها لإنجاح القدّاس.

ويلفت الأب مكرزل إلى أنّ قداسة البابا سيدخل عند التاسعة والنصف بالبابا موبيلي ويمرّ بين الجموع لمباركتهم قبل بدء الاحتفال بالذبيحة الإلهية عند العاشرة والنصف. فيدخل البطاركة والأساقفة وعددهم نحو 200 أولاً ويجلسون عند طرفي المذبح، ومن ثمّ يدخل قداسته ويعتلي الكرسي المعدّ له والموضوع في وسط المذبح. البابا يتلفّظ العربية مرتين.

أمّا الخلفية التي تُركت كمفاجأة للجميع فستكون عبارة عن أنّ لبنان هو الجبل الأبيض أي قلب الله، وهو الحرف والأبجدية الذي يتكلّم لغة السلام سيما أنّ الزيارة تأتي تحت عنوان “طوبى لفاعلي السلام». كما تُظهر أن لبنان هو أرز الرب المتجذّر والصامد وتدلّ الطبيعة والحبال الشامخة على لبنان العائلة والقيامة.

وستُتلى ثلاث تراتيل عند الدخول بالسريانية “هلم بسلام أيها الراعي الصالح”، على ما يشرح الأب مكرزل، ليبدأ القدّاس بعدها. وسيكون بغالبيته ووعظة البابا باللغة الفرنسية، مع بعض اللاتينية. لكن قداسته سيتلفّظ باللغة العربية مرتين خلال القدّاس: الاولى قبل بدء قراءة الإنجيل سيقول: «السلام لكم”، والثانية قبل صلاة الأبانا، سيقول “أبانا الذي في السماوات”.

500 كأس قربان

وللإنجيل الذي سيقرؤه شمّاس بيزنطي باللغة العربية، اختير فصل من بشارة القديس لوقا الإنجيلي البشير يقول فيه يسوع: «أَحْمَدُكَ يَا أَبَتِ، رَبَّ السَّمَاءِ والأرض، على أَنَّكَ أَخفَيْتَ هذه الأشياء على الحكماء والأذكياء، وَكَشَفْتَها للصغار»، ولتلاميذه: «طوبى للعُيونِ الَّتِي تُبْصِرُ ما أَنتُم تبصرون. فإنِّي أقولُ لكم إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأنبياء والمُلوكِ تَمنَّوا أَن يَرَوا مَا أَنتُم تُبْصِرُونَ فَلَم يَروا، وأن يسمعوا ما أَنتُم تَسْمَعُونَ فَلَم يَسمَعوا». والرسالة ستُقرأ باللغة الإنكليزية، على ما أضاف، في حين أنّ التذكارات (أو النوايا)، فستكون باللغات المعتمدة في طقوسنا (أي العربية، اللاتينية، الفرنسية، الإنكليزية، السريانية، الأرمنية، واليونانية). وتغيب اللغة الإيطالية عنها. على أن تخدم 3 جوقات هي الأنطونية، الكسليك واللويزة، والتي جُمعت في جوقة واحدة القدّاس. ومن بين التراتيل التي ستنشدها ويسمعها البابا عادة ترتيلة “يا مريم سلطانة الجبال والبحار”.

وأفاد الأب مكرزل بأنّه جرى إحضار 500 كأس قربان لمناولة المؤمنين من قبل 500 كاهن وشمّاس. وقد يتمّ توزيع أناجيل على الحشود. على أن وقائع الزيارة ستُبثّ مباشرة عبر وسائل الإعلام وسيشارك نحو 1300 من الإعلاميين والمصوّرين من لبنانيين وعرب وأجانب في نقل وقائع هذه الزيارة. كما سيتمكّن المشاركون في القدّاس من مشاهدة الوقائع في الموقع عبر 10 شاشات ضخمة.

ويختم بالقول إنّ البُعد الروحي هو أساس زيارة البابا لاون إلى لبنان، والمهم أن يقرؤها كلّ منا على أساس علاقته مع الله.