Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر August 15, 2019
A A A
لبنان في مرمى العقوبات.. فما هي السيناريوهات المطروحة؟
الكاتب: بروفسور جاسم عجاقة - الديار

الحريري في واشنطن والموضوع الأساسي المطروح هو ملف العقوبات الأميركية على حزب الله وحلفائه وتداعياتها على الدولة اللبنانية إقتصاديًا، ماليًا، ونقديًا. وضع نائبيّن لبنانيّين على لائحة العقوبات هو مؤشر على إنتقال نهج تعاطي الإدارة الأميركية مع لبنان من مستوى إلى مستوى أخر، إذ كيف يُعقلّ وضع نائبيّن على لائحة العقوبات وهما مُنتخبان من الشعب اللبناني حتى ولو كانا تابعين سياسيًا لحزب الله، إلا من باب وضع الحكومة اللبنانية أمام خيارات محدودة كلها تهدف إلى تحجيم «نفوذ حزب الله في الدوّلة اللبنانية»؟
زيارة الرئيس الحريري إلى واشنطن هي زيارة يُمكن تصنيفها بزيارة «مصارحة». فالرئيس الحريري قالها أكثر من مرّة أن حزب الله هو مكوّن لبناني وله نواب منتخبون ديموقراطيًا وله وزراء في الحكومة ولا يُمكن التعاطي معه إلا من هذا الباب. هذا الأمر يعرفه الأميركيون جيدًا، لكنهم يطلبون المزيد من الحكومة اللبنانية التي «لا يُمكنها إعطاء المزيد» بحكم نسيج وتركيبة المُجتمع اللبناني. لذا وبغياب أي قدّرة للحريري على إقناع الأميركيين، سيكون هناك العديد من إجتماعات «المصارحة» بين القيادات اللبنانية عند عودة الحريري إلى لبنان.
هناك سيناريوان مطروحان لمسار العقوبات الأميركية: الأول ينصّ على فرض عقوبات على شخصيات سياسية من الصفّ الأول وتطال بالإضافة إلى أشخاص من حزب الله، حلفاء من أحزاب أخرى. والثاني ينصّ على فرض عقوبات على عدد من المفاتيح المالية في عدد من الأحزاب التي تعتبرها واشنطن داعمة لحزب الله. وهنا يجدر الذكر، أن إدراج شخصيات على لائحة العقوبات لا يحتاج إلى أكثر من توقيع الإدارة الأميركية بحكم أن القوانين « HIFPA1 وHIFPA2 » تم التصويت عليهما وأعطيا صلاحيات إضافة الأسماء لهذه الإدارة.
فرض العقوبات «الذكية» (كما يُطلق عليها الأميركيون) يتمّ تدريجيًا على أصحاب القرار من بوابة «الخنق» المالي. وعلى هذا الصعيد، قال أحد مستشاري الإدارة الأميركية على صفحته على الفايسبوك، أن القرار السياسي في لبنان هو في يد الطبقة السياسية التي تمتلك قسماً كبيراً من ثروة لبنان. لذا وللتأثير على القرار السياسي، يكفي الضغط ماليًا على هذه الطبقة السياسية. لكن فرض عقوبات على سياسيين من الصفّ الأول هو خيار «جذري» قد لا تعمد الإدارة الأميركية إلى أخذه نظرًا إلى حالة الفوضى التي قد يعيشها لبنان جرّاء وضع سياسيين لبنانيين على لائحة العقوبات خصوصًا أن الأميركيين يتوقّعون من هؤلاء السياسيين إعتماد سياسة «شمشوم الجبّار»: «عليّ وعلى أعدائي يا رب» مما سيؤدّي إلى كارثة حقيقية على الصعد الإقتصادية، المالية وحتى النقدية قدّ تطال الشعب اللبناني ككل وبالتالي تكون النتيجة مُعاكسة لمبدأ العقوبات «الذكيّة» التي يُريدها الأميركيون.
السيناريو الثاني هو الأكثر إحتمالا، حيث تمتلك الإدارة الأميركية لائحة بعدد من الشخصيات التي تُعتبر مفاتيح في الأحزاب الحليفة لحزب الله والتي يُعتبر شملها بالعقوبات ضرّبة كبيرة لهذه الأحزاب من ناحية ضرب تمويلها وبالتالي لجّم تحرّكاتها. وينصّ السيناريو على الذهاب أبعد من ذلك مع وضع مجموعة من المؤسسات التابعة لهذه الأحزاب على لائحة عقوبات والتي تضمّ وسائل إعلامية، شركات تجارية وغيرها.
التداعيات الإقتصادية والمالية في الحالتين قد تكون كارثية وهذا ما يُفسّر تروّي الأميركيين وذهاب الرئيس الحريري إلى واشنطن. فعلى الصعيد الإقتصادي، قد لا تكون أموال سيدر مفتوحة أمام لبنان حتّى ولو لبّى هذا الأخير كل متطلبات المؤتمر وذلك من باب الضغط على الدوّل المُقرضة لعدم تمويل لبنان كما حصل مع دوّلة قطر. أضف إلى ذلك حظر على مجيء الإستثمارات الأجنبية المباشرة من بعض الدوّل إلى لبنان كما فعلت واشنطن مع الشركات الأوروبية التي إستثمرت في إيران بُعيّد الإتفاق على النووي الإيراني. أمّا على الصعيد المالي فقد يُشكّل خفض تصنيف لبنان الإئتماني ورفع كلفة التمويل ممزوجًا بعدم رغبة المُستثمرين بشراء سندات، ضغط إضافي على مالية الدوّلة وبالتالي إرتفاع العجز في الموازنة وزيادة الضغوطات على مصرف لبنان لتمويل حاجات الدوّلة.
عمليًا، هناك ترابط سلبي (Negative Correlation ) بين الأحداث التي تُجسّد رفع مستوى المواجهة الأميركية مع لبنان حيث ستكون البداية مع خفض تصنيف لبنان الإئتماني، إضافة أسماء شخصيات لبنانية على لائحة العقوبات (السيناريو الثاني)، عدم قدّرة على تأمين تمويل مشاريع سيدر، تردّي المؤشرات المالية والإقتصادية… وصولا إلى حالة فوضّى تامّة. ولعل هذا ما سيقوله الأميركيون للرئيس الحريري خلال لقائه اليوم مع وزير الخارجية مايك بومبيو، أمّا ما سيُحاول الحريري إقناع الأميركيين به فهو أن تُعطي الإدارة الأميركية فرّصة إضافية للحكومة اللبنانية وعلى الأرجح هذا ما ستفّعله من خلال إعطاء الرئيس الحريري مهلة ثلاثة أشهر علّه يستطيع تغيير الواقع الحالي إلى واقع قريب مما تُريده الإدارة الأميركية. إلا أن فتّرة السماح هذه لن تمّنع الإدارة الأميركية من بدء تنفيذ السيناريو الثاني أي إدراج مفاتيح مالية لبنانية على لائحة العقوبات الأميركية.
} موازنة 2020
وتحديات الحكومة }
في السياق المالي، أشارت مصادر في وزارة المال أن الوزارة سترفع موازنة العام 2020 إلى مجلس الوزراء نهاية الشهر الجاري. وبحسب المعلومات، فإن الوزارة تعملّ على تخفيض العجز بنسبة 1% من الناتج المحلّي الإجمالي عملا بمتطلبات مؤتمر سيدر.
الموازنة هي ترجمة لسياسة الحكومة الإقتصادية والمالية والضريبية والإجتماعية والبيئية، وبالتالي كل إنفاق مهما كان مصدر الأموال (قروض، هبات، إنفاق إستثماري…) لا يُمكن إلا أن يكون مدّرجًا في الموازنة عملا بالدستور. لذا لا يُمكن أن يكون هناك خطط إقتصادية، إجتماعية أو بيئية من دون أن تكون مُدرجة في الموازنة. وقد يقول البعض أن هذا ليس بمُشكلة إذ يُمكن فتح إعتماد من خارج الموازنة وتصديقه من قبل مجلس النواب، إلا أن هذا الأمر يُمكن أن يطال مشروع واحد، ولا يُمكن أن يطال كل المشاريع تحت طائلة التصويت على موازنتين في العام الواحد ومخالفة مبدأ شمولية الموازنة!
مشاريع مؤتمر سيدر تحوي على عدّة مشاريع بنى تحتية: النقل (8.8 مليار دولار أميركي)، المياه (4.9 مليار د.أ)، الصرف الصحي (2.65 مليار د.أ)، النفايات الصلبة (1.4 مليار د.أ)، الكهرباء (5.6 مليار د.أ)، الاتصالات (700 مليون د.أ)، وبنى تحتية للصناعة والسياحة (1.16 مليار د.أ). هذه المشاريع مشروطة بعدد من الإجراءات التي من الواجب على الحكومة القيام بها وعلى رأسها: محاربة الفساد (الإنضمام إلى معاهد الأمم المُتحدة لمحاربة الفساد، وجود وزير دولة للشؤون الإدارية، تعيين وزير دولة لمكافحة الفساد، إقرار حقّ الوصول إلى المعلومات، إقرار قانون لحماية الكاشفين عن الفساد، وجود إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، قانون لتعيين هيئة وطنية لمحاربة الفساد، إقرار قانون لشفافية قطاع النفط والغاز)، تحسين الحوكمة المالية (إقرار الموازنات في مواعيدها مع عجز أقل بـ 1% سنويًا، تحسين شفافية الموازنة، تطوير إدارة الضرائب والدين العام، إنشاء الحكومة الإلكترونية، تحسين آلية المناقصات العمومية، تحديث عمل الجمارك)، تحسين وضع القطاع العام (وقف كل أنواع التوظيف، توحيد الصناديق الضامنة، إعادة النظر بدعم الحكومة لهذه الصناديق، تحديد إستهلاك إدارات الدوّلة من المحروقات، توصيف وظيفي وتحديد أعداد موظّفي الدولة في كل إدارة ومؤسسة، مكننة الإدارات)، تحسين الثقة بالإقتصاد (مكننة المحاكم، إعادة النظر في قانون التجارة، إقرار قانون التجارة الإلكترونية، إقرار قانون التحكيم، إصلاح الأسواق المالية).
مُعظم هذه النقاط تمّ إقرارها بحسب قول رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي قال «مجلس النواب أنهى خمسة أسداس ما هو مطلوب منها». أيضًا تمّ وضع تفاصيل مشاريع سيدر وموازناتها بالتفاصيل، لماذا إذًا لا يتمّ ترجمتها في موازنة 2020؟
لبنان محاصر في نفاياته، فكيف يُمكن إصدار موازنة العام 2020 من دون ترجمة خطّة بيئية أقلّه لمُعالجة مُشكلة النفايات؟ يقولون إن هناك خطّة تمّ إقرارها في أول العام 2018 تعتمد على اللامركزية وبالتالي أصبحت النفايات من مسؤولية البلديات. لماذا إذًا هناك أموال مرصودة في مشاريع سيدر لقطاع النفايات؟
الفقر في بعض المناطق تخطّى عتبة الـ 37% بإعتراف البنك الدوّلي، ماذا ننتظر لإقرار خطّة لدعم الأطراف؟ والأهمّ كيف ستقوم الحكومة بإقرار خطط إقتصادية من دون أن يكون هناك ترجمة في الموازنة.
إننا نرى أن إقرار موازنة العام 2020 من دون خطة إقتصادية – مالية – إجتماعية – بيئية هو مؤشر على عدم جدّية الحكومة في معالجة الأمور. لذا يتوجّب على الحكومة إقرار خطّتها الإقتصادية الشاملة ومن ثمّ إرسال هذه الخطّة إلى وزارة المال لترجمتها بموازنة تكون على قدر التطلّعات والتحدّيات التي تواجه لبنان خصوصًا على الصعيد البيئي الذي يُشكّل قنبلة صحية إجتماعية ستنفجر في وجه الحكومة في حال لمّ يتمّ العمل عليها جدّيًا.