Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر March 19, 2022
A A A
لبنان على وقع فيينا والأزمة في أوكرانيا: الترسيم أولاً والباقي تفصيل!
الكاتب: أنطوان الأسمر - اللواء

 

تسقُّط أخبار فيينا يُظهر أن التفاوض في الإتفاق النووي ومندرجاته عاد إلى مساره المأمول أميركياً وإيرانياً وروسياً، بعد تعثّر تسببت به الأزمة في أوكرانيا وما نتج منها من اختلالات وتعكّر تفاهمات.

وكانت واشنطن وطهران قد توصلتا الى تاريخ محدد لتوقيع الإتفاق، حُدّد مبدئياً يوم السبت في 12 آذار، قبل أن تتعثّر المفاوضات ويرجأ الحوار موقتا ومعه إحتفال التوقيع.

وتبيّن أن أمرين أساسيين فرضا التعثّر، قبل أن تعود مياه الحوار الى مجاريه:

تقلُّص الحماية الدولية للانتخابات ينسف منصات المعارضة ويجعلها استفتاءً على تجديد شرعيات (المنظومة)
أ-اشتراط روسيا أن تقف العقوبات التي قررتها الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي على خلفية الأزمة الأوكرانية، عند أسوار الإتفاق النووي. بمعنى أن موسكو تريد المسار النووي منفصلاً بل منقطعاً تماماً عن أي ملف آخر. وقد لاقتها طهران في هذا الموقف لاعتبار وحيد. فروسيا وإيران ترغبان في أن يكون رفع العقوبات المنتظر عن طهران منصة لإطلاق مجموعة من الصفقات الثنائية، وخصوصا في مجاليّ تحديث سلاح الجوّ الإيراني (يحكى عن صفقة جاهزة ومكتملة العناصر لطائرات من طرازيّ سوخوي وميغ) وتطوير أسطول الطيران التجاري. والأهم من ذلك صفقة شراء ايران منظومة الـS400، وهي درّة التاج الروسي في مجال التسليح الجوّي.

ب-سوء تفاهم نتج من تلمّس موسكو رغبة طهران في أن تكون بديلا من الغاز الروسي في الأسواق الاوروبية، إثر العقوبات على خلفية الأزمة الأوكرانية، أو حتى مصدرا موازيا للغاز في حال قررت موسكو وقف إمداداتها. وهذا الأمر لم تستسغه القيادة الروسية.

المهمّ أن كلا المسألتين تمّ حلّهما مبدئيا، وهو ما أعاد المسار التفاوضي الى إيجابيته، وأتاح توقّع توقيع قريب للاتفاق. ولا ريب أن مجموعة مؤشرات تقاطعت وتكافلت لتصبّ في هذا السياق. إذ:

1-نقلت «رويترز» عن مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية قوله: «بالطبع لا نفرض عقوبات على مشاركة روسيا في المشاريع النووية المتعلقة باستئناف الاتفاق النووي».

2- إفراج إيران عن البريطانيَّيْن من أصول إيرانيّة، نازنين زاغري وأنوشه آشوري، ثمنا لحصولها من لندن على الـ 530 مليون دولار من الأصول الإيرانية المجمّدة في بريطانيا.

3-الرسالة النارية الإيرانية في إربيل والتي استهدفت المصالح الإسرائيلية إنتقاما لمقتل قياديين في الحرس في ضربة جوية إسرائيلية على سوريا. هذا التصرّف يُعدّ خروجاً على ما درجت عليه طهران من ممارسة الضغط العسكري من خلال فصائل مسلحة تعمل بالنيابة عنها. إذ أن الحرس الثوري تقصّد اعلان استهداف ما قال إنها «مراكز استراتيجية» إسرائيلية تعمل بشكل سري انطلاقاً من أربيل. ولا يخفى أن واشنطن تلقّفت الرسالة بمغزاها التحييدي. هي استهدفت حصرا مقرا إسرائيليا.

4-ثمة تفكير أميركي جدّي برفع العقوبات عن الحرس الثوري الإيراني في مقابل تعهّد إيراني، ربما من ضمن بنود سيتضمّنها أي ملحق سرّي للاتفاقية النووية، بالحدّ من النشاطات الإقليمية عبر الأذرع المعروفة.

في بيروت، يرتقّب المسؤولون ما ستؤول إليه نتيجة الحوار النووي، وإن كانوا على يقين بأن الاتفاق حاصل بنسبة 99%. فلمجمل هذا المسار النووي انعكاس مباشر على المصالح اللبنانية، بدءا وليس إنتهاء بملف ترسيم الحدود البحرية، مع كامل الإدراك بأن هذا العنوان هو مفتاح كل الأبواب المغلقة، ومنصة وحيدة ولازمة لإنطلاق أي مسار نهضوي وتصحيحي.

ليس تفصيلا أن يُستأخر الغاز المصري والكهرباء الأردنية. وليس تفصيلا كذلك أن تعد سفيرة كبرى بأطنان القمح والمحروقات والمواد الغذائية الأساسية والحيوية وبتسهيلات لا سابق لها من البنك الدولي، حال توقيع لبنان اتفاق الترسيم مع اسرائيل.

وليس تفصيلا أيضا أن تتقلّص بحدة غير مسبوقة الحماسة الدولية للإنتخابات النيابية. لا بل ثمة تسليم مسبق بنتائج 15 أيار، نسف منصات معارضة عن بكرة أبيها، وأحبط أخريات، حدّا جعل الإنتخابات، يا للأسف، إستفتاء على تجديد شرعيات قوى الدولة العميقة، والمنظومة التي تسببت بكل مآسي اليوم والمستقبل.

المطلوب دوليا بإلحاح أمر واحد: الترسيم اليوم وليس غدا، ومن بعدها تترجم الوعود ويفيض الدعم وتتحسّن الأحوال. ويغدو تفصيلا شكل الحكم وتركيبة المجلس النيابي ولازمة إجراء الإنتخابات في موعدها (!)، حتى لو ظلّت لحزب الله ملكة الغالبية النيابية الموصوفة والسلطة وكل ما ينتسب اليهما في لبنان والمهجر.