Beirut weather 17.04 ° C
تاريخ النشر August 12, 2025
A A A
لبنان على مفترق حصريّة السلاح ومأزق الضمانات الاسرائيليّة
الكاتب: البروفسورة وديعة الأميوني - موقع المرده

في خطوة وُصفت بأنها من أكثر القرارات جرأة في تاريخ لبنان الحديث، أقرّ مجلس الوزراء اللبناني مؤخرًا حصر حيازة السلاح بمؤسسات الدولة، وكلّف الجيش وضع خطة تنفيذية شاملة ضمن مهلة زمنية محددة. جاء هذا القرار على وقع مبادرة دولية تتضمن انسحابًا إسرائيليًا من نقاط في الجنوب، مقابل “تسليم” سلاح حزب الله، ودعمًا اقتصاديًا وإعمارًا للبنى التحتية المتضررة بفعل الحرب. هذه التطورات كسرت محرمًا سياسيًا طالما تجنّبت الحكومات السابقة الاقتراب منه، وهو ملف سلاح الحزب الذي ظل لعقود عنوانًا للجدل والانقسام.
في حال نجحت الدولة في تنفيذ القرار من دون انزلاق إلى مواجهة داخلية توازيًا مع توفّر ضمانات دوليّة في انسحاب اسرائيل ووقف اعتدائها على لبنان، فإن ذلك سيشكل إنجازًا استثنائيًا في إعادة الاعتبار لمبدأ الدولة الواحدة ذات السلاح الشرعي الواحد، الأمر الذي يفتح الباب أمام إعادة بناء المنظومة الأمنية، وتعزيز دور الجيش في حماية الحدود، وتحييد لبنان عن دوامة الصراعات الإقليمية التي غالبًا ما انفجرت على أرضه. كما أن الربط بين هذا التوجّه والحصول على دعم دولي لإعادة الإعمار أيضًا، قد يمنح لبنان دفعة اقتصادية تسهم في الخروج من أزمته. حتى على مستوى حزب الله، يمكنه النظر إلى المسار الجديد كفرصة لتثبيت مكاسب سياسية واجتماعية في إطار تفاهمات داخلية، إذا ما جرى حصر السلاح بيد الدولة ضمن ضمانات أمنيّة وإجراءات إعادة دمج تحفظ ماء الوجه.
لكن الوجه الآخر للمشهد يفرض الحذر، فالتركيز فقط على سلاح الحزب دون السلاح الفلسطيني وربما فصائل ومجموعات أخرى، كذلك التسرّع في التطبيق من دون خطة اندماجية شاملة، قد يخلق فراغًا أمنيًا خطيرًا ويفتح الباب أمام مواجهات ميدانية وخلل أمني كبير، مع ما يحمله ذلك من مخاطر على السلم الأهلي. أما انسحاب وزراء شيعة من جلسة إقرار القرار تاريخ 7 آب 2025، ورفض حزب الله الصريح لتسليم السلاح، فيبقى مؤشرًا على أن الانقسام السياسي والطائفي قد يتعمّق، الأمر الذي يهدد حتمًا التوافق الوطني الذي يقوم عليه أسس “النظام” اللبناني. ناهيك أنّ ربط القرار بضغوط أو شروط خارجية قد يضعف شرعيته الداخليّة، ويمنح خصومه ذريعة لرفضه، فضلًا عن إمكانية أن تستمر إسرائيل أو أطراف إقليميّة أو دوليّة أخرى في استخدام الملف الأمني ذريعة للتدخل أو التصعيد.
وعليه، يقف لبنان اليوم أمام مفترق طريق حاسم. فالوصول إلى بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية وحصرية السلاح بيد المؤسسات الشرعيّة، يتطلب إرادة سياسيّة متماسكة، وخطة أمنيّة مدروسة، وضمانات دولية متوازية لا يتم فرضها كإملاءات، بل كمسار داعم لاستقرار البلاد. ومن هنا، فإن المطالبة بالسلم وحصر السلاح بيد الدولة لا يمكن فصله عن الالتزام الكامل بكل ما ورد في مقررات جلسة مجلس الوزراء الاسبوع الفائت رقم 22/2025، والتي نصّت بوضوح على أن تسليم سلاح الحزب مرتبط بانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس وكامل الأراضي اللبنانية، وضمان وقف دائم لاعتداءاتها على لبنان. هذا وجاء في ختام المقررات أن تنفيذ جميع بنود الورقة مرهون بموافقة كل دولة معنية على الالتزامات الخاصة بها، في حين أن إسرائيل ما زالت تمارس الخروقات والتجسس والاغتيالات داخل لبنان حتى اليوم امام عيون المجتمع الدولي. وعليه، وفي ظل غياب الضمانات الدوليّة، يصبح الحديث عن تسليم السلاح أمرًا محفوفًا بالأخطار، لأنه قد يترك لبنان مكشوفًا أمام عدو تاريخي لم يتوقف يومًا عن انتهاك أرضه وأمنه.
إن تأسيس مرحلة جديدة من سيادة الدولة اللبنانيّة واستقرارها يمرّ باختصار عبر معادلة دقيقة ومتكاملة، عناوينها الاساسيّة: إرادة داخليّة موحّدة، وخطّة أمنيّة واضحة، وضمانات دوليّة صريحة وواضحة تُلزم الجميع – وفي مقدمهم إسرائيل – باحترام الاتفاقات والمواثيق. من دون ذلك، تبقى القرارات عرضة للتأويل والتعطيل، ويبقى لبنان في دائرة الخطر بين مطرقة الانقسام الداخلي وسندان الأطماع الخارجية!