Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر October 16, 2016
A A A
لبنان خارج المُعادلة النفطية في المنطقة
الكاتب: بروفسور جاسم عجاقة - الجمهورية

شكّل إعلان وزير الطاقة الاسرائيلي بأن بلاده تدرس مع تركيا إمكانية وجدوى بناء انبوب غاز يربط بين البلدين تحت البحر لامداد تركيا ومنها الى اوروبا بالغاز، صدمة كبيرة تطرح السؤال عن مُستقبل لبنان في المعادلة النفطية والتداعيات على العلاقة مع العدو الإسرائيلي؟

في تصريح له بعد لقائه نظيره التركي، أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي أن «بلاده ستبدأ مع تركيا، النظر في جدوى بناء انبوب غاز يربط بين البلدين تحت البحر لامداد تركيا ومنها الى اوروبا بالغاز» (الجمهورية ١٣ تشرين الثاني ٢٠١٦).

هذا التصريح يُشكّل ضربة موجعة للبنان من ناحية أن مُشكلة الحدود مع العدو الإسرائيلي لم تعد المُشكلة الأولى، بل أن تصريف غاز لبنان أصبح المُشكلة الرئيسية التي سيواجهها لبنان في المُستقبل.

الثروة النفطية والغازية التي إكتشفها الماسح الجيولوجي الأميركي (وكالة الـ USGS) في العام ٢٠١٠ في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المُتوسط، غيّرت الإستراتيجية الاقتصادية والإنمائية للعديد من دول الحوض وعلى رأسها إسرائيل.

تُشير معلومات الماسح الجيولوجي الأميركي أن حجم الثروة الغازية المُكتشفة للدولة العبرية يبلغ ٩٤٠ مليار م٣ مع إحتمال إرتفاعها إلى ١٥٠٠ مليار م٣. في حين أن المنطقة البحرية المقابلة لقطاع غزّة تحوي ٢٨ مليار م٣ تمّ إكتشافها من دون أن يكون هناك مسح جدّي لمعرفة الكمية الإجمالية.

وفي قبرص بشقيها التركي واليوناني، يبلغ حجم الغاز المُكتشف ١٤١ مليار م٣ مع قدرة قد تصل إلى ١٦٩٨ مليار م٣. وفي سوريا إكتشفت شركة غاز بروم الروسية ما يقارب الـ ٢٤٠ مليار م٣ مع قلّة المعلومات عن القدرة الباطنة للغاز. أما حال لبنان فهو الأتعس مع غياب الإكتشافات وقدرة باطنية للغاز قد تصل إلى ٩٩٠ مليار م٣.

المعلومات التي أوردها الماسح الجيولوجي الأميركي والتي أظهرناها على الرسم، تُظهر أن القرار الدولي لتقسيم هذه الثروة بين دول الحوض الشرقي للبحر الأبيض المُتوسط أصبح واقعا مع إحتمال تغيير بسيط للحدود بين هذه الدول. هذا الأمر يطرح السؤال عن جدوى ربط ملف النفط في لبنان بتحديد الحدود البحرية مع الدولة العبرية!

الرسم يوضح بشكل لا ريب فيه أن الحقول الشمالية للدولة العبرية تقع في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان. والنظر للترسيم يُظهر أن الحدود البحرية بين لبنان وسوريا بحسب الوكالة إمتداد للحدود البرية، في حين أنها ليست كذلك مع الدولة العبرية.

الأرقام التي تُعطيها الوكالة تُظهر أيضا التفوق الإسرائيلي في مجال التنقيب والإنتاج نسبة إلى الدول الأخرى. وإذا كانت الدولة العبرية أخذت بتغذية سوقها الداخلي، إلا أن حجم الإنتاج أصبح يفوق حاجة السوق الداخلي وبالتالي فإنها بدأت البحث عن أسواق لتصريف إنتاجها.
السوق الأوروبي هو السوق الطبيعي للغاز الإسرائيلي.

وتبقى المُشكلة في طريقة التصدير. ولحل هذه المُعضلة هناك إحتمالان : الأول تسييل الغاز الطبيعي (أساس الثروة الغازية) وتصديره إلى أوروبا بواسطة القوارب، والثاني إرسال الغاز بواسطة أنبوب بحري يصل إلى أقرب نقطة في أوروبا.

مُشكلة تسييل الغاز تكمن في الكلفة العالية، فهناك كلفة التسييل في بواخر أو في معامل على اليابسة وكلفة النقل التي تُعتبر عالية جدًا نظرًا إلى أن النقل يتمّ على درجة حرارة -١٦١ درجة مئوية (سلبية). أضف إلى ذلك كلفة إعادة الغاز السائل إلى حالته الغازية.

الإحتمال الثاني أي إنشاء أنبوب بحري لنقل الغاز الإسرائيلي، تمّ التداول فيه منذ أعوام على أساس أن تشترك فيه عدة دول منها إسرائيل، قبرص، اليونان وإيطاليا وعلى أن تتقاسم هذه الدول الكلفة والأرباح. لكن هذا المشروع لم ير النور نظرا للوضع المالي الذي تمرّ به الدول الأوروبية وحتى إسرائيل حيث أن كلفة المشروع كانت ستفوق الخمسة مليارات دولار أميركي.

هذا الامر دفع بالدولة العبرية إلى التفكير في طريق بحري أقصر. وهنا تظهر أهمية تركيا التي من المّرجح أن تُصبح HUB حراري بين الشرق والغرب خصوصا مع توقيع روسيا وتركيا لإتفاقات لتمرير أنبوب غاز عبر البحر بينهما.

يبلغ طول الأنبوب المُقترح ٤٥٠ كلم ويمرّ في المنطقة الاقتصادية الخالصة القبرصة والتركية. وعلى إعتبار أن كلفة الكيلومتر الواحد من هذا الأنبوب في البحر هي ٢.٤ مليون دولار أميركي، فإن كلفة هذا المشروع تبلغ حوالي المليار دولار.

من الواضح أن تركيا ستُشارك في تمويل هذا المشروع نظرا إلى الإستفادة التي ستحققها من الرسوم على عبور الغاز في أراضيها. كما أن بعض الدول الأوروبية ستُشارك أيضا لنفس السبب كما ولأسباب تضامنية مع الدولة العبرية. وهذا يعني أن كلفة المشروع على إسرائيل لن يتجاوز عدة مئات من الملايين من الدولارات الأميركية وهذه كلفة مقبولة للدولة العبرية.

هنا تظهر مُشكلة لبنان، حيث أنه وفي أكثر الإحتمالات الإيجابية والتي تنصّ على أن المراسيم أقرّت وأن شركات تقدمت وبدأت بالتنقيب والإنتاج، يجب معرفة كيف سيُصدّر لبنان غازه إلى أوروبا؟ الجواب هو عبر القوارب (تسييل الغاز) أو عبر أنبوب بحري.

التصدير عبر القوارب مُكلف وسيُعطي الأفضلية للغاز الإسرائيلي على حساب الغاز اللبناني. أما التصدير عبر الأنابيب فليس بأمر سهل، إذ أن تقليد الدولة العبرية بإنشاء أنبوب بحري على غرار الأنبوب الإسرائيلي سيكون مُكلفًا على لبنان نظرًا لعدم إستعداد تركيا والدول الأوروبية للمشاركة في كلفة الإنشاء.

أما عن طريق البرّ – أي عبر سوريا، فهناك تعقيدات سياسية تفرض على لبنان التفاوض مع النظام السوري ومع المعارضة المُسلّحة لتمرير الإنبوب إلى تركيا وهذا الأمر شبه مُستحيل في ظل الظروف الحالية.

هنا يُطرح السؤال عمّا إذا كان لبنان على إستعداد لمُشاركة إسرائيل الأنبوب البحري؟ بالطبع في ظل إعتبار إسرائيل عدوا، هذا الأمر مُستحيل، إلا إذا تركت الدولة اللبنانية للشركات النفطية حرية التصدير وهذا يعني أن لبنان قبل ضمنيا الوجود الإسرائيلي أقلّه من وجهة نظر المُجتمع الدولي!

بالطبع لن يكون الأمر مقبولا في لبنان وهذا يوُصلنا إلى النتيجة التعيسة أن لبنان أصبح حكمًا خارج المعادلة النفطية.