Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر October 23, 2019
A A A
لبنان جديد يُشبه… لبنان
الكاتب: الياس الديري - النهار

كان من الضروريّ والمُفيد أن تطل على لبنان مفاجأة بهذا الحجم، وبهذا التعبير الشعبي الحافل بالرقيّ والاتزان الصادر عن الألوف المؤلّفة، والتجمُّعات المُنتشرة في معظم المدن والمناطق اللبنانيّة. وللمرّة الأولى بهذه الأعداد والأرقام التي لم يُسبق لوطن النجوم، ووطن الثماني عشرة طائفة أن عرفها.

ولم تقتصر الانتفاضة التاريخيّة على الجغرافيا اللبنانيّة، بل هي بلغت دولاً عبر البحار والمسافات البعيدة، وحيث يحلُّ لبنانيّون هاجروا بحثاً عن لقمة العيش، أو لقمة العلم، أو لقمة الطمأنينة والأمان.

معظم اللبنانيّين في الداخل والخارج حرصوا على التعبير عن غضبتهم، ونقمتهم، ورفضهم لكل الأساليب التي يتّبعها المسؤولون والسياسيّون ومن لفَّ لفَّهم. لقد أرهق حديث الفساد و”فرسان” الملايين والمليارات كل الناس. أولئك الذين يكتفون بلقمة عيش تستر حاجتهم، والآخرون الذين يبحثون عن وظيفة، عن أيّة وظيفة يكفي مردودها لسدّ المطالب الطبيعيَّة لعائلة طالبة السترة، وعدم الوقوع في وحل الحاجة والفاقة.

لقد فشّ الألوف خلقهم بإعلان غضبتهم على هذا الإهمال المدمِّر، والصادر عن معظم المعنيّين بشؤون المواطنين، وعلى غرار ما يحصل في كل دول الأرض والدنيا والعالم.

فلبنان الكرم والضيافة، ويا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت ربُّ المنزل، حوَّل مسؤولوه المواطنين العاديّين مجرَّد أُناس لا حول لهم ولا قوّة. وليس في مقدورهم حتّى أن يحصلوا على أبسط المُتطلّبات المعيشيَّة. فلا ضيوفٌ ولا مضيفين.

وفي الوقت نفسه تلهج وسائل الإعلام المختلفة بالصفقات، وما إليها من مُنتفعين وأثرياء وأصحاب ملايين ومليارات. فكان من الطبيعي أن يحصل هذا الانفجار البشري الملوَّن بالغضب والنقمة واللجوء إلى الاعتصام وتحميل المعنيّين كامل المسؤوليّة.

فكانت الانتفاضة التي حملت مع ضجيجها مطالب وشروطاً وزَّعتها بتوازن ودقَّة على المراجع المسؤولة، ومُحدَّدة ما لها وما على المسؤولين تجاهها. فكان أن خرج نصف سكّان لبنان إلى الساحات والدروب، حاملين احتجاجاتهم، ومطوِّرين مطالبهم لتأخذ في دربها هذا الاستهتار المُفجع الذي يلقاه لبنان وتنزل ذيوله على أكتاف اللبنانيّين.

ولهذه الأسباب، وردّاً على الاستلشاق القاتل امتلأت الساحات والسطوح والحقول والطرق بالمئات والألوف، من الناقورة إلى النهر الكبير. ولليوم الرابع على الأقل. وبكل عنايةٍ، وتأنٍّ تجمَّعت الأجيال الصاعدة، بشبّانها وصباياها، وحتّى بأطفالها، لتشكِّل رموز احتجاج صارخ ضدّ الجميع. وبكل وضوح وصراحة.

فعلاً، وحقيقة، حصل خلال هذه الأيّام القليلة ما لم يعرف مثله لبنان منذ تأسيسه. اندمج الجميع في بوتقة واحدة. وكأنّما كل الناس، من كل الفئات والطوائف، أدركوا أن وحدتهم هي درب خلاصهم، وإنقاذهم من هذا الوضع السيّئ. وعلى أساس أنّه لا بُدّ من لبنان جديد، لبنان يُشبه نفسه، وما كانه قبل أن يفتك به الزمن الرديء، ومَنْ لم يكونوا آبهين لمصيره.

ولكن، ماذا تقول الانتفاضة عن القرارات الإصلاحيّة، وهل تبني عليها آمالاً وانتظاراً؟

من هنا يمكن الانطلاق في سبيل لبنان جديد يُشبه… لبنان.