Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر August 8, 2023
A A A
لبنان… الى أين سيتجه؟
الكاتب: الدكتور ناصيف حتي - النهار

 

 

في تاريخ الانتخابات الرئاسية اللبنانية تبلور مع الوقت ما صار بمثابة عُرفٍ نتج عن حالات عديدة من الازمات الرئاسية. عُرفٌ يتنكر لحصوله الكثيرون وخصوصا المستفيدين من حالات معينة، قوامه ان الرئيس يُنتخب سياسيا في الخارج ثم يتم انتخابه قانونيا وفق ما نص عليه الدستور في الداخل (في المجلس النيابي). ويختصر البعض ذلك بالقول ان تفاهم الخارج بتوازناته القائمة في اللحظة المؤاتية ينتخب رئيساً للبنان: أطراف الخارج المؤثرة التي تتغير كما تتغير اوزانها وطبيعة ادوارها وكذلك تفاهماتها التي قد تكون مرحلية أو أبعد من ذلك.

تتغير هذه الاطراف الفاعلة ولكن لا تتغير طبيعة اللعبة وقواعدها. جاذبية الجغرافيا السياسية للبنان في “لعبة الامم” وهشاشة وضعف الدولة في لبنان التي تقيدها وتصادر دورها سلطة قائمة على فيديرالية امر واقع من الطائفيات السياسية، وكذلك الانقسامات السياسية والعقائدية والهوياتية الحادة، حيث مفهوم الوطنية له تعريفات مختلفة ومتناقضة في الكثير من الحالات بسبب ما اشرنا اليه من انقسامات حادة، كلها عناصر جاذبة للتدخل ايا كان الغطاء او الشكل الذي يأخذه ذلك التدخل.

في فترة يمكن وصفها باستراحة المحارب او اجازة الصيف الى ان يعود المبعوث الرئاسي الفرنسي وزير الخارجية السابق جان – ايف لودريان، يستمر الحوار بأشكال مختلفة بالطبع بين كافة الاطراف اللبنانية حول مبدأ الحوار او النقاش المطلوب ومكان انعقاد الحوار او جمع هذه الاطراف وموضوع النقاش /الحوار. فهل يكون حول انتخاب رئيس يتم التوافق عليه والضمانات المطلوب توفيرها للاطراف المعنية كجزء من سلة الحل وطبيعة الحكومة المنوي تشكيلها وشخصية رئيسها وهويته. كل ذلك يأتي ضمن مفهوم الصفقة الشاملة، وبذلك تتم التضحية بالضروري الذي هو الاصلاح الشامل لمصلحة الامر العاجل والضاغط وهو الانتهاء من الفراغ الرئاسي وترحيل الازمة التي ستزداد خطرا في ارتداداتها على لبنان، أم سيكون النقاش او الحوار حول حزمة حل تشمل ايضا وبشكل خاص برنامجا اصلاحيا، وليس عناوين اصلاحية.

برنامج يلتزم تنفيذ بنود المتحاورين، ويتناول الشأن المالي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي والاداري ولو بشكل تدرّجي وعلى اساس خريطة طريق واطار زمني واضح للتنفيذ بقيادة الرئيس الجديد ورعايته. من اهم الامور التي يجب اقرارها في مسار الاصلاح التنموي الهادف، اقرار ما جاء في وثيقة الطائف وأُقر في الدستور وهو اللامركزية الادارية؛ السبيل الوحيد للانماء المتوازن للمناطق في كل المجالات. والجدير بالذكر ان الحديث عن اللامركزية الادارية يستدعي حكماً توفير المال لتحقيقها. فالحديث عن لامركزية ادارية من دون اي مصادر تمويل كالحديث عن موسيقى من دون آلات عزف. اللامركزية الادارية تعزز الديموقراطية المجتمعية وتساهم بالتالي في الاستقرار المجتمعي بمختلف أبعاده .

وعلى صعيد آخر، يعيش لبنان اليوم، الذي كان دائما اسيرا او متأثرا بشكل كبير بالاوضاع الاقليمية وبخاصة تلك المحيطة به مباشرة، ولو بدرجات مختلفة في فترات مختلفة، في ظل تحديات تنعكس عليه بأشكال وسبل متعددة. ثلاثة عناوين يمكن الاشارة اليها في هذا السياق وتحمل انعكاسات مباشرة او غير مباشرة على لبنان. اولا تباطؤ عملية تطبيع العلاقات السعودية – الايرانية التي انطلقت من اتفاق بكين، ومن مظاهر هذا التباطؤ ارجاء ارسال سفير للمملكة العربية السعودية الى ايران والخلاف السعودي الكويتي مع ايران حول حقل الدرّة للغاز الطبيعي الذي يعتبر البلدان انه يعود اليهما كليا بحسب القانون الدولي، فيما تعتبر ايران ان لها حقوقا في هذا الحقل. ثانيا التطورات الحاصلة في الاراضي الفلسطينية المحتلة وسياسة التهويد والعنف التي يتبعها الاحتلال الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني. السياسة التي زادت من حدة التوتر في الصراع القائم، الامر الذي يمكن ان يحمل تداعيات مباشرة على لبنان. ونشهد يوميا المزيد من التوتر على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية. وفي السياق ذاته، رفع عنوان وحدة الساحات (اللبنانية – الفلسطينية – السورية) مع ما يحمله من سيناريوات تصعيدية ممكنة في المستقبل القريب والأبعد قد تحمل تداعيات مباشرة على لبنان. وثالثا ازدياد حدة المواجهة الغربية الايرانية مع تباطؤ او عدم حصول تقدم في الملف النووي الايراني في الحوار الدائر والمتعثر حاليا حول هذا الملف. ونشهد في هذا الاطار تصعيدا اسرائيليا ضد ايران وحلفائها في سوريا قد تطاول شظاياه لبنان مستقبلا.

في ظل هذه الاوضاع، صار من المطلوب الخروج السريع من حالة الشلل القاتل والمدمر: فراغ سياسي وانهيار اقتصادي وتفكك مجتمعي. فهل نشهد الشهر المقبل، مع عودة المبعوث الرئاسي الفرنسي، اطلاق مسار الخروج من النفق عبر سلة من التفاهمات تأتي نتيجة حوار ايا تكن صيغة هذا الحوار وشكله: حوار للاتفاق على مضامين وليس عناوين انقاذية تبدأ بالاتفاق على برنامج اصلاح شامل وتدرّجي والالتزام بجدول زمني وانتخاب رئيس ليقود سفينة الانقاذ المطلوب مع “حكومة مهمة” حتى يستطيع لبنان ان يواجه الاعاصير القائمة والمقبلة في الداخل وفي المحيط القريب بنجاح وفعالية حماية وحفاظا على الامن الوطني للبنان.

ورغم العوائق التي اشرنا اليها فان “مجموعة الخمس” المعنية بالملف اللبناني قادرة عبر حوار بعض اطرافها مع ايران، ورغم ما اشرنا اليه من توترات قائمة، فان التوصل الى تفاهم في هذا المجال يدفع للخروج من حالة الجمود القاتل والمعجل للانهيار الكلّي للبنان، الامر الذي ليس في مصلحة الاقليم ايضا.

*وزير الخارجية سابقا