Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر November 6, 2018
A A A
لبنان الثقافي لا يستحقّ كلّ هذه الإهانات!
الكاتب: عقل العويط - النهار

ردّ الفعل الأول على قرارٍ يمنع الصالات اللبنانية من عرض ثلاثة أفلام، هو الآتي: سأبحث عن طريقة “غير قانونية” لحضور الأفلام الممنوعة، بعد المنع “القانوني” الذي طَاوَلها. لن يعييني البحث. بل سأصل سريعاً إلى نتيجةٍ إيجابيةٍ مرجوّة. وستكون سعادتي مضاعفة، لدى حضوري هذه الأفلام بالذات، لأني بذلك أستعيد حريةً مقيّدةً ومنتقصاً منها بسبب القرار، وثانياً لأني أفضح عدم جدواه، مستخدماً الطرق التكنولوجية والتقنية الحديثة، المتاحة للجميع، فضلاً عن أساليب النسخ الأخرى، التي لا يستطيع حيالها قانون المنع أن يفعل شيئاً.

الأفلام الممنوعة؛ واحدٌ عنوانه the nun لأنه “يمس بالشعائر الكنسية وخصوصيتها”. ثانٍ عنوانه climax لما يحويه من مشاهد “تجمع بين تعاطي المخدرات والعلاقات الجنسية غير السوية، بالإضافة إلى تشجيعه المثلية الجنسية”، وثالثٌ عنوانه nocturnal deconstruction “لتشجيعه المثلية الجنسية”.

لستُ في صدد إبداء رأيٍ سينمائي أو نقدي في شأن هذه الأفلام، فقد تكون جيدة فنياً، وقد لا تكون. لكن المسألة مبدئية، وليس لأيّ جهةٍ أن تبدي رأياً – أياً تكن هذه الجهة وأياً يكن هذا الرأي – في موضوعٍ يمسّ جوهر الحريات العامة والخاصة، التي يكفلها الدستور اللبناني.

من المثير للشفقة أن تعمد جهاتٌ دينية، وغير دينية، إلى ممارسة رقاباتٍ منقرضة كهذه. اللجوء إلى المنع القهري والقسري، يجسّد طريقةً ممجوجة ومتخلفة وبدائية و… غير تربوية (غير دينية!) في التعاطي مع المتلقي، وخصوصاً إذا كان الموقف السلبي (الأخلاقي) من المادة الممنوعة يطعن بالكرامة الإنسانوية.

لا أجد ردّاً على ذلك، أجدى من ردّ أسقف روما، البابا فرنسيس، عندما سئل رأيه في المثلية الجنسية والمثليين: مَن أنا لأدين المثلية؟ بل مَن أنا لأدين مطلقاً؟

أطرح السؤال الآتي على الجهات التي تبدي حرصاً استثنائياً على “الأخلاق” والقيم والأصول والتربية والتنشئة: أليس الأجدى أن تبحث عن طرقٍ تربوية وثقافية ونفسية ومجتمعية ونقدية، تنشّئ فيها الأجيال تنشئةً متمكنة، بحيث ينمو الجيل الجديد ممتلكاً شخصيته النقدية وذكاءه النوعي الذي يجعله قادراً على اتخاذ القرار والخيار المناسبَين.

ما أقوله عن الأفلام، يسري على الكتب، والعروض المسرحية، والرسوم والمنحوتات، وعروض الرقص التعبيري، وسوى ذلك من فنون.

لا يجدي المنع هذا. لأنه “مفخوت”، وغير مُجدٍ تقنياً. أقصد أن سبل اختراقه سهلة للغاية. فلماذا يُلجأ إليه، والحال هي هذه؟

سؤالي الأخير: الجهات الدينية وغير الدينية، لماذا تبغّض الناس فيها عندما تلجأ إلى “توصيات” كهذه؟

سؤالي الأخير الاستطرادي: لماذا تلبّي الجهات الحكومية هذه “التوصيات”، وخصوصاً عندما تعرف أنها ستذهب مع الريح؟!

لبنان الثقافي لا يستحقّ كلّ هذه الإهانات!