Beirut weather 22.43 ° C
تاريخ النشر April 25, 2021
A A A
لبنان الأفقر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
الكاتب: علي نور - أساس ميديا

ليس جديداً الحديثُ عن موجات التضخّم القاسي التي يمرّ بها لبنان، بالتوازي مع ارتفاع أسعار السوق الناتج عن تدهور سعر صرف الليرة وغلاء السلع المستوردة. لكنّ الخطير في أرقام مؤشّر أسعار المستهلك الأخيرة، التي تنشرها “الإدارة المركزيّة للإحصاء”، هو حجم الزيادة الكبير في أسعار المواد الغذائيّة، التي باتت تقود ارتفاع معدلات التضخّم وتزيد من وطأتها. هذه الأرقام تشير اليوم إلى أنّ سيناريو المجاعة، بمعنى فقدان قدرة الأسر على توفير أبسط الاحتياجات الغذائيّة الأساسيّة، بات مسألة وشيكة جدّاً، خصوصاً مع ارتفاع النسبة التي تستنزفها الموادّ الغذائيّة من ميزانيات الأسر.

أرقام المؤشّر، حتّى شهر كانون الثاني الماضي، تدلّ على أنّ أسعار الموادّ الغذائيّة ارتفعت خلال فترة سنة واحدة 400 في المئة (395.29% تحديداً)، أي أنّ سلّة السلع الغذائيّة التي كانت تُسعَّر بـ100 ألف ليرة لبنانيّة منذ سنة، صارت تُسعّر بـ495 ألف ليرة اليوم، فتكون الأسعار قد تضاعفت نحو خمس مرّات خلال سنة واحدة فقط.

أخطر ما في الأمر هو تقدير المنظمات الدوليّة أنّ 85% من مداخيل اللبنانيين كانت تستنزف في توفير المواد الغذائيّة منذ بضعة أشهر، فيما لا تملك الأسر سوى 15% من مدخولها للإنفاق على سائر متطلّبات الحياة، كالتعليم والترفيه والأثاث والنقل وغيرها. ومع الارتفاع الأخير في أسعار الغذاء، ستصبح الكثير من الأسر اللبنانيّة على مشارف فقدان القدرة على شراء الغذاء، أو في طور التخلّف عن توفير الاحتياجات الأخرى للتمكّن من شراء الغذاء.

وكانت المفكّرة القانونيّة قد نشرت استبياناً أظهر أنّ 97.5% من مداخيل الأسر اللبنانيّة تستنزفها الطبابة والاستشفاء والخدمات الأساسيّة (ماء وكهرباء) والمواد الغذائيّة، فيما لا يتبقّى لهذه الأسر سوى 2.5% من رواتبها للإنفاق على جميع المستلزمات الأخرى، بما فيها التعليم، وهو معدّل منخفض وخطير.

ولهذا السبب، تحديداً، أظهر استبيان المفكرة القانونيّة أنّ 67% من العائلات اللبنانيّة لم تعد قادرة أبداً على تغطية مصاريفها الشهريّة من مداخيلها المعتادة بعد الارتفاع الأخير في الأسعار، بينما صرّحت 28% من الأسر أنّها لم تعد قادرة على تغطية مصاريفها الشهريّة “أحياناً”. أمّا الحلّ، وفقاً للاستبيان نفسه، فكان لجوء هذه العائلات إلى التخلّف عن سداد الفواتير الشهريّة والالتزامات الحياتيّة الأخرى، بما فيها الطبابة نفسها في بعض الأحيان، للتمكّن من الحصول على الحاجات الأساسيّة.

وفي تفصيل حالة الأسر اللبنانيّة، وفقاً للراتب الشهري، تبيّن أنّ العائلات، التي يراوح دخلها بين مليون وثلاثة ملايين ليرة لبنانيّة، غالباً ما تفوق قيمة التزاماتها الشهريّة مداخيلها ورواتبها، فيما تستطيع الفئة الأعلى دخلاً منها فقط توفير التغطية أو التأمين الصحّي. أمّا الفئة، التي يقلّ دخلها عن مليون ليرة، فلم تعد قادرة أبداً على تغطية التزاماتها الشهريّة، وهي بالكاد تستطيع توفير الغذاء وحده، ولا تملك القدرة على تغطية حاجاتها الصحيّة أو توفير التأمين الصحّي. حتّى الأسر، التي تفوق قيمة مداخيلها ثلاثة ملايين ليرة، بدأت تعاني بسبب ارتفاع كلفة الغذاء شهريّاً، ولكنّها ما زالت قادرة على الحصول على التغطية الصحيّة وسداد الفواتير الشهريّة الأساسيّة كاشتراك الكهرباء والمياه وغيرهما.

بالنسبة إلى تضخّم أسعار السوق، لن يكون الارتفاع في أسعار المواد الغذائيّة المشكلة الوحيدة للأسر اللبنانيّة، فأرقام مؤشّر أسعار المستهلك الأخيرة تظهر أيضاً أن أسعار المفروشات ارتفعت بنحو 627%، فيما ارتفعت أسعار المنتجات الكحوليّة والسجائر بنحو 375%. أمّا أسعار الملبوسات فتضاعفت سبع مرات، وارتفعت كلفة النقل ثلاث مرّات، وارتفعت أسعار الماء والكهرباء والفيول بأكثر من 34%. وشهدت أسعار الاتصالات نفسها ارتفاعاً موازياً بنسبة 87%، نتيجة ارتفاع كلفة خدمة الإنترنت في العديد من المناطق، ولو أنّ كلفة الاتصالات الهاتفيّة لم تشهد أيّ ارتفاع يُذكر.

 

3 ملايين جائع قريباً

لكلّ هذه الأسباب تقدّر منظمة الإسكوا أنّ أكثر من نصف المقيمين في لبنان سيكافحون خلال الأشهر المقبلة لتوفير المتطلّبات الغذائيّة الأساسيّة، وستكون على المحكّ الحاجات الغذائيّة لأكثر من 3 ملايين إنسان.

وتقدّر أرقام المنظمات الدوليّة أيضاً أنّ نسبة ارتفاع أعداد القابعين تحت خطّ الفقر المدقع في لبنان، ونسبة ارتفاع أسعار الغذاء، هما الأعلى، على الإطلاق، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وستصبح طوابير الجياع هذه، تلقائيّاً، في مصافّ المعتمدين على الإعانات الدوليّة للبقاء على قيد الحياة، وهو ما يضع المجتمع بأسره في خانة المجتمعات التي تتسوّل أبسط مقوّمات الحياة الطبيعيّة.

كلّ هذه التطوّرات تُسأل عنها أوّلاً وزارة الاقتصاد، التي يغيب دورها كلّيّاً في ما يتعلّق بمراقبة تطبيق آليات الدعم، التي جرى اعتمادها طوال الأشهر الماضية لاستيراد الموادّ الغذائيّة، وأيضاً تُسأل عنها الحكومة التي لم تبادر، حتّى اليوم، إلى إقرار آليات دعم بديلة عن آليات الدعم الحاليّة التي أثبتت فشلها. ويعود عمليّاً جزء كبير من أسباب الارتفاع في الأسعار إلى الممارسات الاحتكاريّة، كما جرى خلال الأسبوع الماضي حين ارتفعت أسعار المواد الغذائيّة -وفقاً لمرصد الأزمة في الجامعة الأميركيّة في بيروت – بنسبة 23.4% من دون أن يترافق ذلك مع أيّ ارتفاع في سعر صرف الدولار.