Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر August 24, 2019
A A A
لبنان إلى مرتبة “الخردة” السؤال المؤلم: من يدفع كلفة الإنقاذ؟
الكاتب: سابين عويس - النهار
رغم الضغوط الكثيفة التي مارسها لبنان من أجل تلافي تجرّع كأس خفض تصنيفه على يد الوكالة الدولية الائتمانية “ستاندرد اند بورز”، بات جليا أن لا مفرّ من تجرّع تلك الكأس، ولكن على يد وكالة أخرى هي “فيتش”، ليهوي الى مرتبة “الخردة” بعدما حصد تصنيفين في درجة “CCC” من وكالتين من اصل ثلاث، (كانت “موديز” خفضت تصنيفها للبنان في حزيران الماضي).
كانت وزارة المال تسلمت تقريري الوكالتين قبل يومين وتحفظت عن مضمونهما أمام الاعلام، مكتفية بوضع ملاحظاتها، فيما اعدت بيانا علقت فيه على التصنيفين اللذين صدرا ليلا، مقللة من أهمية التداعيات، على قاعدة ان السوق استوعبت الموضوع، فيما باشرت الوزارة الى جانب المصرف المركزي اتخاذ الاجراءات الكفيلة باحتواء التداعيات والتحضير من اجل تلافي خفض ثالث يصدر عن “ستاندرد اند بورز” بعد فترة السماح المتاحة للسلطات اللبنانية لمعالجة مكامن الخلل المشكو منها على صعيد الموازنة والمالية العامة.
المخاوف التي أثارتها مسألة التصنيف دفعت رئيس الجمهورية الى التحرك لإمساك زمام الامور بعد شعور بأن تفلت الامور من عقالها لن يضرب الاقتصاد ويؤدي الى انهيار البلاد، بل سيطبع عهده بوصمة هذا الانهيار.
فبعد مبادرته الى عقد اجتماع مالي- اقتصادي في قصر بعبدا، ذهب أبعد لمواكبة الوضع ليس من فم المسؤولين، بل من فم الخبراء. فكان اختياره لمجموعة من الخبراء الاقتصاديين يعكسون توجهات حزبية محددة كـ”تيار المستقبل” او حركة “امل” او “حزب الله” او “القوات اللبنانية” او “التيار الوطني الحر” في اجتماع عقد بعيدا عن الاعلام في قصر بيت الدين، وضمّ الى جانب الخبراء مازن سويد، غازي وزني، روي بدارو، عبد الحليم فضل الله وشربل قرداحي، وزير الاقتصاد منصور بطيش ورئيس لجنة المال والموازنة ابرهيم كنعان.
كان واضحا من المقاربة التي تحدث فيها رئيس الجمهورية حجم الهاجس الذي يشكله الملف المالي والاقتصادي له، وحزمه في وضعه على سكة المعالجة حتى لو اضطره الامر ان يضرب “بيده او برجله”، فلا يساير او يتراجع عن اي قرار تحتاج اليه البلاد للخروج من الوضع الراهن. كما كان جليا ان انتقاء الشخصيات التي شاركت في الاجتماع لم يكن مصادفة، ويعود الى رغبة الرئيس الاطلاع عن كثب على المقاربات المختلفة للوضع، تقويما وتشخيصا ومعالجة.
يبدي الرئيس حرصا أمام المجتمعين على أن الاجتماع لا يسحب الملف المالي والاقتصادي من يد الحكومة، (او رئيسها؟)، بل جل ما يهدف اليه هو رغبته في الاطلاع على الوضع بكل تفاصيله وحقائقه، بما يساعده على الدفع في اتجاه الخطوات المطلوب اتخاذها.
وبدا من اجواء النقاشات إجماع الخبراء على تحسس حجم الاخطار المحدقة، بحيث لم يكن الكلام عن معالجات على المدى المتوسط بل الآني، انطلاقا من السؤال ماذا يمكن ان نفعل بالامس قبل اليوم؟
الاجماع كان واضحا كذلك على أن الاصلاح المالي الجذري بات أولوية ملحة، ولكن كان واضحا كذلك التباين على المقاربات المقترحة للاصلاح انطلاقا من السؤال المؤلم: من يدفع كلفة الإنقاذ؟ وفيما التقى عدد من الخبراء على ضرورة التخلي عن بعض المكتسبات في القطاع العام، خالف ممثل “حزب الله” هذا الرأي، رافضا المس بالحقوق المكتسبة، مقيما على اقتناع بأن على القطاع المصرفي تحمل الكلف
ساعتان ونصف ساعة من النقاش خلصت الى ان لبنان لم يعد يملك ترف الوقت للبحث والدرس، والمطلوب مباشرة إرسال الاشارات الجدية التي تعيد الثقة.
لم تكن موازنة 2019 حتما نموذجا جيدا لذلك، بل على العكس تركت انطباعا سلبيا لدى وكالات التصنيف بأنها غير مقنعة لا أرقاما ولا إصلاحا، كما تركت الحكومة في جلسات المناقشة انطباعات ضعف وعجز عن التعامل مع بحزم ومسؤولية مع القرارات الجريئة المطلوبة تحت وطأة تحرك الشارع.
بعد اجتماع بيت الدين، كيف يعتزم رئيس الجمهورية التحرك بعدما بات لبنان في مرتبة “الخردة”؟
مصادر المجتمعين تكشف أن الاجتماع لن يكون الاخير، وقد خرج كل خبير لوضع افكاره ومقترحاته، فيما باشر وزير الاقتصاد إعداد مسوّدة للنقاشات التي جرت، يتم على اساسها الاجتماع لصياغتها في شكل نهائي ورفعها الى رئيس الجمهورية لتوضع في تصرفه، كمستند يمكن اعتماده في اي قرارات او نقاشات حكومية مقبلة حول الملف المالي والاقتصادي.