Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر January 17, 2025
A A A
لبنان: آمال اقتصادية رغم التحديات
الكاتب: سوليكا علاء الدين - لبنان الكبير

لا تزال أصداء انتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهورية اللبنانية، وما تلاه من تكليف سريع للرئيس نواف سلام بتشكيل الحكومة الجديدة، تتردد بصورة إيجابية على الساحتين المحلية والدولية. لقد أسهم هذا التحول التاريخي في استعادة الثقة بين اللبنانيين، ما يُثير التفاؤل بإمكان إجراء تغييرات جذرية تقود إلى استقرار سياسي واقتصادي في البلاد. كما فتح الطريق أمام بدء تنفيذ الاصلاحات الضرورية، التي من شأنها تعزيز قدرة الاقتصاد الوطني على النهوض وتحقيق التعافي المستدام. وقد أسفرت هذه التحولات عن بداية تحسن ملموس في المشهد اللبناني، حيث بدأت تظهر في الأفق مؤشرات انتعاش تعكس تطورات إيجابية قد يكون لها تأثير كبير على التوقعات المستقبلية للبلاد، خصوصاً في ظل الإجماع على أن لبنان يقف على أعتاب مرحلة واعدة تحمل في طياتها فرصاً ذهبية للنمو والاستقرار.

آفاق نمو محدودة
في هذا السياق، أصدرت وكالة التصنيف الدولية “موديز” توقعاتها الاقتصادية للبنان، فأشارت إلى أن الاقتصاد اللبناني سيشهد انكماشاً بنسبة 2 في المئة في العام 2025، مع توقعات بنمو محدود قدره 0.8 في المئة في العام 2026. وأوضحت أن هذه التوقعات مرتبطة بصورة وثيقة بالتطورات السياسية في لبنان، وخصوصاً انتخاب قائد الجيش جوزاف عون رئيساً للجمهورية بعد فترة الفراغ التي بدأت في تشرين الأول 2022. واعتبرت الوكالة أن هذا الحدث يمثل خطوة مهمة نحو تشكيل حكومة جديدة تتمتع بصلاحيات كاملة، بعد أن كانت الحكومة السابقة تعمل بصفة حكومة تصريف أعمال، لافتة الى أن الرئيس المنتخب يحظى بدعم المجتمع الدولي، ما يعزز احتمالات تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية والسياسية المطلوبة.

وفي إطار هذه التحولات، أبرزت الوكالة أهمية استئناف العمل بصورة كاملة في مؤسسات الدولة، معتبرةً أن ذلك سيسهم بشكل كبير في ضمان استمرارية تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في 27 تشرين الثاني. وأوضحت “موديز” أن هذا الاتفاق يعد خطوة أساسية لتأمين التمويل الدولي الضروري للبنان. كما أشارت إلى أن الحرب الأخيرة ألقت بظلالها بصورة كبيرة على الاقتصاد اللبناني، بحيث تسببت في خسائر تقدر بنحو 8.5 مليارات دولار، بما في ذلك أضرار مادية تقدر بنحو 3.4 مليارات دولار. وفي هذا السياق، توقعت الوكالة أن يشهد الاقتصاد اللبناني انكماشاً بنحو 10 في المئة في العام 2024، على أن يتحقق تعافٍ ملحوظ في العام 2025 إذا استمر وقف إطلاق النار.

وعلى الرغم من التحسن المتوقع في المستقبل القريب، أكدت الوكالة أن ضبط الإنفاق المالي والاستثماري كان عاملاً حاسماً في استقرار سعر الصرف والأسعار، إلا أن هذه التدابير تقيّد إمكانات النمو على المدى الطويل. وأشارت إلى أن استدامة الدين العام لن تتحقق إلا من خلال خفض كبير في نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي، والتي يُتوقع أن تصل إلى نحو 150 في المئة بنهاية العام 2024.

بالنظر إلى هذه التوقعات، أضافت “موديز” أن الاقتصاد اللبناني سيواصل مسار الانكماش بنسبة 2 في المئة في العام 2025، مع آفاق نمو طفيفة بنسبة 0.8 في المئة في العام 2026. من جهة أخرى، توقعت الوكالة تراجعاً ملحوظاً في معدلات التضخم، بحيث ستنخفض من 221.3 في المئة في العام 2023 إلى 67.4 في المئة في العام 2024، مع استمرار هذا التراجع ليصل إلى 41.3 في المئة في العام 2025، و35.1 في المئة في 2026.

الدعم رهن الإصلاحات
واعتبر بنك “أوف أميركا” أن انتخاب جوزاف عون، رئيساً للجمهورية بعد شغور دام أكثر من 26 شهراً، قد يمهّد الطريق لتلقي تعهدات دولية تهدف إلى إعادة الإعمار وتقديم الدعم المالي، بشرط تنفيذ الاصلاحات المطلوبة. وأوضح البنك أن تعيين وزراء جدد في الحكومة المقبلة سيكون أمراً بالغ الأهمية لضمان نجاح أي جهود إصلاحية، بما يسهم في تحفيز الاصلاحات وتحقيق التقدم المنشود. وفي الوقت نفسه، أشار البنك إلى أن الانسداد السياسي القائم في البرلمان قد يستمر في عرقلة التقدم، إذ تُعد التوافقات السياسية حول إعادة هيكلة قطاع المصارف أحد التحديات الرئيسية أمام الاصلاحات، خصوصاً في ما يتعلق بمعالجة الخسائر المالية، بحيث باءت المحاولات الأخيرة لوضع خطة شاملة لإعادة هيكلة القطاع بالفشل. كما شدد البنك على ضرورة تعيين هيئة حاكمة جديدة في مصرف لبنان المركزي قبل تاريخ 10 حزيران 2025، وهو الموعد المحدد لانتهاء ولاية نواب الحاكم الحاليين، لضمان استقرار القطاع المالي واستمرار التوجه نحو الاصلاح.

وأضاف البنك أن السجل الضعيف للبنان في تنفيذ الاصلاحات قد يعكس معارضة قوية من مختلف الأطراف السياسية للإصلاحات المرتبطة بصندوق النقد الدولي. وفي هذا السياق، أشارت إلى أن التعديل الأخير لرفع حجم الناتج المحلي الاجمالي للبنان وفقاً لإرشادات صندوق النقد الدولي قد يوفر بعض المرونة في إجراء تحليل استدامة الدين، بحيث يتيح المجال لتبني نهج أكثر مرونة ضمن إطار عمل صندوق النقد الدولي. من جهة أخرى، اعتبرت أن المقترحات غير التقليدية التي قدمتها الحكومة لحل أزمة القطاع المصرفي، والتي انحرفت عن شروط اتفاق مستوى الموظفين مع صندوق النقد الدولي وتأثرت بالاعتبارات السياسية الداخلية، قد تؤدي إلى زيادة كبيرة في التزامات الحكومة المالية. وعلى الرغم من ذلك، أعربت عن إمكان توصل السلطات إلى تسوية بشأن حل أزمة القطاع المصرفي، على أن يتمّ التوصل إلى توافق سياسي داخلي.

اليوروبوند: بين التمديد والانتعاش
كما أشار بنك “أوف أميركا” إلى أن حاملي السندات قد يفقدون تدريجياً حقهم في الفوائد المستحقة على سندات اليوروبوند اللبنانية المتعثرة اعتباراً من آذار 2025، أي بعد خمس سنوات من قرار الحكومة السابقة بالتخلف عن سداد التزاماتها تجاه هذه السندات. وفي هذا الاطار، أوضح البنك أن اتفاقية السندات اللبنانية واتفاقية الوكالة المالية تتضمنان بنداً ينص على أن السندات والايصالات والقسائم تصبح لاغية إذا لم يقدم حاملوها مطالباتهم للدفع خلال 10 سنوات من تاريخ استحقاق المبالغ الرئيسية، وخلال خمس سنوات من تاريخ استحقاق الفوائد بعد مرور مدة الاستحقاق الأول.

وفي السياق نفسه، ذكر البنك أن مجلس الوزراء المكلف وافق في 7 كانون الثاني 2025 على تمديد فترة التقادم المتعلق بالمدفوعات الرئيسية ومدفوعات القسائم على سندات اليوروبوند المتعثرة ثلاث سنوات، ما يعزز حماية حقوق حاملي السندات التعاقدية. وأضاف أن البيان الحكومي أشار إلى استعدادها “لتنفيذ إعادة هيكلة لسندات اليوروبوند” عندما تسمح الظروف وحسب المصلحة العامة. كما أوضح أن من غير المرجح أن يواجه المودعون المحليون رد فعل سلبياً حيال تعديل طفيف في شروط السندات، حتى وإن تضمّن ذلك معاملة غير متساوية بين فئات الدائنين، نظراً الى الدعم الفني القوي الذي تتمتع به شروط السندات وتوقيت هذه الخطوة في ظل التطورات السياسية الراهنة.

علاوة على ذلك، ذكر بنك “أوف أميركا” أن سندات اليوروبوند اللبنانية شهدت انتعاشاً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة، حيث ارتفع سعر السند الذي يستحق في 23 آذار 2032 من 6.25 سنتات للدولار الأميركي إلى 16 سنتاً للدولار في 9 كانون الثاني 2025. وقد فسّر البنك هذه الزيادة بتوقعات اتفاق موقت لوقف إطلاق النار في لبنان، الذي أسهم بصورة كبيرة في رفع قيمة السندات لتصل تقريباً إلى الضعف، بالاضافة إلى انهيار النظام السوري الذي لعب دوراً مهماً في تعزيز أسعار السندات. كما توقع البنك أن تشهد السوق مرحلة ثالثة من الانتعاش، مدفوعة بانتخاب رئيس صديق للأسواق، ما سيزيد من الزخم الذي تحقق حتى الآن. وبينما تشير المؤشرات إلى تحسن طفيف، لا تزال المخاطر قائمة. إذ من المتوقع أن يواجه سعر استرداد السندات مقاومة كبيرة عند مستوى 20 سنتاً، ما قد يؤثر سلباً على أداء السوق ويدفع المستثمرين إلى اتخاذ تدابير تحوطية.