Beirut weather 13.41 ° C
تاريخ النشر September 9, 2016
A A A
“لا مكان للأطفال”: حلم الجيل الضائع الذي دمرته الحرب
الكاتب: noonpost

“لا مكان للأطفال”.. جملة اختصرت تقريراً مطوّلاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، تحدّث عن معاناة أطفال سوريا في ظلّ الصراع المحتدم منذ العام 20و11 حتى الآن، والذي خلف ما بين أربعة وثمانية ملايين طفل لاجئ، أيّ أكثر من 80% من الأطفال السوريين، بينهم 323 ألفاً دون سنّ الخامسة يعيشون تحت الحصار، و3 مليون طفل نازح في الداخل السوري، و2 مليون طفل يحتاج للدعم النفسي، وأكثر من 1.2 مليون طفل لاجئ في الخارج، و15 ألف طفل منفصل عن ذويه عبروا الحدود السورية، و310 ألف طفل ولد خارج البلاد، و2.8 مليون طفل سوري في سوريا والدول المجاورة، لم يلتحق بالمدارس، إضافةً إلى مقتل الكثيرين وتجنيد أطفال للقتال، بعضهم لا تزيد أعمارهم عن 7 سنوات.

طفولة بلا تعليم
وكانت نسبة الإلتحاق بالتعليم في سوريا تفوق 90% قبل الحرب، لكن سوريا تحوّلت في أقلّ من خمس سنوات إلى واحدة من أخطر الأماكن على الأطفال في العالم، بينهم الآن جيل مجروح جسمانياً ونفسياً. وخلال العام الدراسي الأوّل بعد الحرب، تخلف نحو 2 مليون طفل عن الدراسة أعمارهم من 6 إلى 15 عاماً، بسبب النزاع الدائر أو نزوح عائلاتهم، نصفهم على الأقل أيّ نحو مليون طفل، موجودون في سوريا ولا يستطيعون مواصلة تعليمهم. حتى في المناطق التي مازالت تتوفر فيها منشآت تعليمية، يدفع الهاجس الأمني الأهل إلى عدم إرسال أطفالهم إلى المدارس، خشية على حياتهم، ومن يذهبون إلى المدارس يواجهون ظروفاً نفسية صعبة، مثل افتقاد زملائهم الذين غيبهم الموت أو النزوح.

منفى إجباري
وحتى في البلاد التي منح فيها اللاجئون السوريون حقّ التعليم المجاني أسوةً بالمواطنين، مثل مصر، فإنّ فقر العائلات السورية التي فرّت هاربةً من بيوتها من دون شيء أكثر من الملابس التي كانت ترتديها عند اضطرارها للهروب، يمنعها من الإنفاق على التعليم بتلك الدول، كما أنّ اللاجئين في المخيمات بكلّ من لبنان والعراق والأردن وتركيا وغيرها، تواجدوا في مجتمعات مضيفة مكتظة أساساً، يعجز فيها قطاع التعليم عن استيعاب هذه الأعداد الوافدة.
ففي تركيا أنشأت الحكومة شبكة مدارس للاجئين داخل المخيمات، لكن هناك مشكلة تجنيد معلمين يتكلمون العربية، والوضع في لبنان هو الأصعب لأنّ اللاجئين موزعون في “مستوطنات” بعضها بعيد عن بعض، وفي الأردن والعراق لا تستوعب المدارس أصلاً أبنائها، ناهيك عن الحواجز اللغوية أو الثقافية، والاختلافات الكبيرة في المناهج الدراسية، إضافةً إلى حاجة القاصرين إلى العمل لدعم الأسرة، الأمر الذي يعني تقويض نموهم الفكري، وفرصهم المستقبلية، لإعادة إعمار بلادهم بعد انتهاء الحرب، وهي عملية ستحتاج لطريق طويل، يحتاج شعب متعلم في الأساس، كيف سيكون حال البلد حينما يتجه أبناء هذا الجيل الضائع لبنائها من جديد، وأكثرهم لا يعرفون القراءة والكتابة؟!

خبراء في الحرب
الأطفال في سوريا أصبحوا لا يعرفون شيئاً عن القراءة والكتابة، لكنهم أصبحوا خبراء في الحرب، يعرفون أنواع الأسلحة المستخدمة، وطرق تضليل القناصة وصناعة القنابل وألاعيب السياسة، شوهت الحرب دواخلهم، وأفقدتهم براءة طفولتهم، لذا يحق لنا بكل أريحية أن نصفهم بـ “الجيل الضائع”، معظمهم مصابين، بحسب أخصائيين نفسيين باليونيسيف، باضطراب الشدة ما بعد الصدمة، وهي تترافق بحالات القلق والخوف واضطرابات النوم، وانخفاض التحصيل العملي والتبول اللاإرادي، وسيطرة السلوك العدواني على الطفل الذي تعرض لحالات التعذيب بالضرب المبرح، وقلع الأظفار وحلاقة الشعر، والجلد بأنابيب بلاستيكية والأسلاك الكهربائية.

مستقبل مظلم
الوضع الآن يدعو لليأس، وعواقبه قد تتخطى البُعد الإنساني، لأن حرمان جيل كامل من الأطفال من الإلتحاق بالمدرسة تأثيره جسيم، ولن يقتصر فقط على عدم قدرتهم في الحصول على التعليم لفترة طويلة، لكنه سيمتد قطعًا إلى قدرة أُسرهم ومجتمعاتهم على التعافي، وعلى قدرة سورية في النهاية على الانتعاش ما بعد الحرب، كما أن التأثير الاجتماعي للصدمة الجماعية العميقة، التي أصابت جيلًا كاملًا من السوريين، ستحتاج لجهد ووقت طويلين لتخطيها، ما قد يؤثر على مجموعة واسعة من القضايا منها التماسك الإجتماعي، ومواجهة التطرف، ونجاح برامج نزع السلاح والتسريح وغيرها.

شيخوخة مبكرة
حينما تلتقي بأي من الأطفال السوريين ستلحظ أن شيئًا قد فُقد في عيونهم، فهم لا يتصرفون مثل الأولاد الذين في أعمارهم في أي مكان آخر في العالم، ماذا سيحدث حينما يبدأون ببناء سورية مرة أخرى، كيف سنخرج من بينهم الأطباء والمهندسين والعاملين والمعلمين؟