Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر June 4, 2021
A A A
لا فحص دم… للتواطؤ!
الكاتب: نبيل بومنصف - النهار

قد تكون الدلالة الأعمق لاستعانة البطريرك الراعي بتجربة حكومة الأقطاب الرباعية في عهد الرئيس فؤاد شهاب ولاستعارته وصفة تعود الى اكثر من ستة عقود خلت انها تعكس يأسا من اقطاب هذا الزمن ، ولذا وقع البطريرك في ظلم المقارنة بين ماض مشرف وحاضر مريع . لن نقف عند الهبوط التعبيري في حرب داحس والغبراء الحكومية المملة والباعثة على تقزز بات سمة “اليوميات الوطنية ” للبنانيين ، فآخر ما يعنينا ان نفحص الدم الثقافي في حرب مقذعة من هذا النوع الذي يكشف فداحة الآسر السياسي الذي يقبض على اللبنانيين بالإضافة الى استرهانهم في نمط تعطيلي قاتل بات يختصر مأساة لبنان تحت وطأة العهد الحالي .
نقول بصراحة ان أسوأ ما بات يرتسم من صورة لبنان حيال مجتمع دولي ينظر الى لبنان باحتقار بفضل طبقته السياسية ، انه يمكن هذه الطبقة كليا او جزئيا ، برمتها او بفئات محددة منها ، ان تعرض يوميا كل قباحاتها مهما بلغت في استعراضات الاستنزاف الجارية دون ان يرف جفنها امام فواجع الانهيارات المتسارعة والمهرولة الى مزيد .
ما كان للبنانيين ان يقفوا لحظة واحدة امام سجالات من هذا النوع المقذع الذي يطبع الازمة الحكومية والذي وان كان لا يمكن تبرئة او تخفيف تبعات أي فريق عن مسؤولية مساهمته في الهبوط الذي صار احدى سماته الأساسية ، فاننا لا يمكن ان نكون جلادين بالجملة ونتغافل عن افدح المسؤوليات التي يتحملها العهد وتياره وفريقه السياسي في التسبب للبلد بهذه البشاعات المتصاعدة .
ومع ذلك يفترض اسقاط كل ما يخدم هذا النمط الحاكم ومن يقف وراءه داخليا وإقليميا بسرعة لان الاستنزاف بات يتهدد الناس باخطر المراحل من الاهتراء والإفقار والإذلال بما لن يبقى معه أي امل في تجنب الحريق الكبير والأخطر اطلاقا في تاريخ لبنان .
لن يعني اللبناني شيئا ولن تسمع أذنه حتى بيانات تصدح بكل الانفعالات والاحتقانات في سوق عكاظ سياسية عقيمة فيما تطبق منظومة هجينة سياسية ومصرفية وقضائية على بقايا ودائع الناس كمثل ذلك التآمر او التواطؤ او الخطأ القاتل المتجمعين دفعة واحدة في قرار وقف تعميم مصرف لبنان المتصل بقيمة “دولار السحوبات” من المصارف .
نعجز فعلا بدورنا عن إيجاد وصف موضوعي يحترم أصول اللياقة التعبيرية في حدودها الدنيا امام هذا الحدث الأخرق او المؤامرة الخبيثة حين تترامى امامنا مسؤوليات “كبار القوم” بهذا الشكل : مسؤولية قضائية لاعلى هيئة قضائية إدارية يمثلها مجلس شورى الدولة تتشابك مع مسؤولية المصرف المركزي وحاكمه ومجلسه المركزي ، وتتمدد نحو مسؤولية مفصلية للمصارف ، وان ننسى لا ننسى لجنة المال والموازنة النيابية الممعنة في مهزلة اجتماعات ابدية أزلية عقيمة من دون حسم قانون “الكابيتال كونترول” ولو حمل الإعدام الأخير للمودعين …
حتى لو أعيد تصويب التعميم بعد اشتعال الشارع نتساءل : كيف تتخذ قرارات همايونية هجينة كهذه على مستوى قضائي او على مستوى مصرفي ما لم يكن مبعثها تحريك سياسي وتواطؤ خبيث لتحقيق مآرب دنيئة من خلال الانقضاض على بقايا حقوق منهوبة للناس ؟ هل ثمة من لا يزال واهما بان اللبنانيين يقيمون اعتبارا لهذا او ذاك في الصراع السياسي فيما هم مهددون بهذا الخطر المخيف لمنظومات تدير مصيرهم بهذا النوع من التآمر الموصوف ؟