Beirut weather 25.41 ° C
تاريخ النشر September 13, 2024
A A A
لا حصانة لمدارس «الأونروا»: العدوّ «ينمّط» مجازره الليليّة
الكاتب: يوسف فارس

كتب يوسف فارس في “الأخبار”

لا تتوقف آلة القتل الإسرائيلية عن ارتكاب المجازر الجماعية التي أضحت روتيناً يومياً في كلّ مناطق قطاع غزة. لا بل صار استهداف المنازل السكنية التي تؤوي العشرات من السكان وتستضيف نازحين، حدثَ ما بعد منتصف الليل، حين يتأكّد جيش الاحتلال من خلود سكان المنازل إلى النوم، فينفّذ المجزرة كي يضمن أن لا ينجو أحد. وخلال الأسبوع الماضي، قصفت الطائرات الحربية أكثر من عشرة منازل في ساعات الفجر الأولى، يُعدّ منزل الأستاذ في «جامعة القدس المفتوحة»، أكرم النجار، في منطقة جباليا البلد في شمال القطاع، أحد نماذجها. والنجل الأكبر للنجار هو صحافي يعمل في قناة «الأقصى» الفضائية، وكان قد استشهد خلال العملية البرية الثانية في مخيم جباليا مطلع أيار الماضي، تاركاً خلفه عائلة ممتدة مكوّنة من والديه وزوجته وستة من أبنائه. إلا أنه ليل الأربعاء – الخميس، وفي تمام الواحدة بعد منتصف الليل، أغارت الطائرات الحربية على المنزل، ما أدى إلى استشهاد جميع أفراد العائلة. والأمر نفسه تكرّر مع عائلات لبد وصيام والدحدوح والبلبيسي والقرا. والمجازر العائلية تلك، والتي يغلب على ضحاياها الأطفال والنساء، لا تخدم إلا هدف الإبادة الجماعية، والانتقام ليس من المقاومين الشهداء فحسب، بل أيضاً من عائلاتهم، على اعتبار أن من يرحل يترك خلفه الثأر وصيّة للأبناء. ويكرّر جيش العدو هذا السلوك الإجرامي بشكل يومي، حتى غدا حدثاً اعتيادياً لا يلتفت إليه أحد، بل صارت حتى صور المجازر والضحايا محتوى مزعجاً في مواقع التواصل الاجتماعي.
المجازر العائلية، التي يغلب على ضحاياها الأطفال والنساء، تخدم هدف الإبادة الجماعية
أما الوجه الآخر لسلوك الإبادة، فيتلخّص في الاستهداف اليومي لمراكز الإيواء، والتي لا يجد الأهالي المهدّمة بيوتهم، والمفتقرون إلى أيّ مقوّمات للحياة، بديلاً منها. وأمس، قصفت الطائرات الحربية مركز إيواء في مخيم النصيرات وسط القطاع، سقط فيه 40 شهيداً وجريحاً، وهو مدرسة تابعة لوكالة «الأونروا»، كان مديرها يستضيف الهيئة التدريسية التي كانت تخطّط لوضع خطة تعليمية بديلة سيجري تنفيذها مطلع شهر تشرين الأول المقبل. وقضى في المجزرة 6 من موظفي «الأونروا»، التحقوا بـ 220 موظفاً قتلوا في ظروف متباينة منذ بداية الحرب. وعلّق على الحدث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قائلاً في تصريح صحافي، إن «القتل بلا نهاية وغير المنطقي منذ بداية الحرب، أدى إلى خسارتنا لأكثر من مئتين من كوادرنا».
لكنّ العدو لا يقيم وزناً لأيّ جهة دولية، فيما تعكس التحقيقات التي نشرتها صحيفة «هآرتس» في وقت سابق، وجود صلاحيات مطلقة للجنود في إطلاق النار. لا بل أحياناً يطلق هؤلاء الجنود القذائف والرصاص على المنازل بغرض التسلية، وتفريغ الطاقة السلبية، أو يحتفلون بمناسباتهم الشخصية من خلال تفجير المنازل المأهولة على رؤوس ساكنيها، ويأخذون الصور التذكارية مع كل جريمة. كما ثمة أمر آخر يتكرّر على هامش المجازر الكبيرة، من مثل استهداف بسطة للمأكولات الشعبية، وقصف عائلة تجمع الحطب، وضرب قافلة مساعدات بعد التنسيق المسبق معها، وإطلاق الرصاص من طائرات «كوادكابتر» على خيام النازحين المكتظّة. وإذ يحدث كل ذلك يومياً، ويؤلم الموت الأحياء، يراقب العالم كلّه المشاهد على أنها فيلم مكرور أضحت نهايته ملحّة للمحافظة على المزاج العام للكوكب.