Beirut weather 22.43 ° C
تاريخ النشر January 26, 2019
A A A
لائحة بأفلام لا تفوَّت في مهرجان السينما الأوروبية
الكاتب: هوفيك حبشيان- النهار

دورة جديدة من مهرجان السينما الأوروبية انطلقت أمس في مجمّع “متروبوليس” (صوفيل) بعرض الفيلم الافتتاحي “٦.٩ على درجة ريختر” للروماني ناي كارانفيل. عشرات الأفلام الأوروبية ستُعرض حتى الإثنين ٤ شباط لمحبّي السينما المختلفة. المهرجان يوجّه أيضاً تحية إلى المخرج الإيطالي الراحل برناردو برتوللوتشي، ويقيم معرض بوسترات لأفلام أوروبية تحمل تواقيع رسامين لبنانيين، كما انه يستعيد “كان يا ما كان، بيروت” (١٩٩٥) للراحلة جوسلين صعب. وختاماً، نحن على موعد مع عرض موسيقي لـ”دم شاعر” (١٩٣٢) لجان كوكتو. في الآتي، بعض الاقتراحات السينيفيلية.

 

“أنا وأنت” لبرناردو برتوللوتشي

فيلم برناردو برتوللوتشي الأخير، “أنا وأنت” (٢٠١١)، يُعرض في اطار التحية للمخرج الإيطالي الكبير الذي رحل في تشرين الثاني ٢٠١٨. تجري أحداثه داخل المساحات المغلقة، بعيداً من أضواء المدن القاتلة. مخرج “التانغو الأخير في باريس” يصور مراهق غريب الأطوار (جاكوبو أولمو أنتينوري) يقرر العيش في كهف المنزل تفادياً للاصطدام بأهله ومحيطه. فيلم يلعب على ارضيات متعددة، ويعيد تسليط الضوء على جوانب خفية وغير مظنونة من شخصية برتوللوتشي السينمائية، مستعيناً بأغاني دايفيد بووي وبممثلة اسمها تيا فالكو. ما ينجزه برتوللوتشي مع هذا الفيلم هو نهوض جديد بعد الانتكاسة الصحية التي جعلته أسيراً لكرسٍ متحرك. انه اول فيلم له بالايطالية منذ ٣٠ عاماً. في الملف الصحفي للفيلم يقول: “كان عليّ ان اقبل بحقيقة أنه ليس بمقدوري التحرك الا بالكرسي المتحرك. شيئاً فشيئاً، علمتُ انه من الممكن العودة الى العمل، لكن بدلاً من أن ابقى واقفاً كان عليّ الجلوس”.

 

خذوني إلى متحف مونمارتر لأنه يستحق الزيارة

فيليب سالم في ندوة كتاب جان دايه: لا تستطيع أن تصنع إنساناً جديداً بشعارات بالية
في المقابل، هذه ليست المرة الاولى يتعاطى فيها برتوللوتشي مع فترة حساسة من حياة الانسان: المراهقة. لنتذكر فيلمه البديع “الحالمون”، الذي أرشف سينمائياً لحقبة مهمة من تاريخ فرنسا، اقصد ثورة أيار ٦٨ وارتباطها بالسينما والسينيفيلية النهمة التي جعلت باريس عاصمة الفن السابع، وأرضاً خصبةلاعادة صوغ المفاهيم السينمائية.

(السبت ٢ شباط، الساعة ٢٢:١٥)

 

“نهاية سعيدة” لميشائيل هانيكه

عائلة بورجوازية رصيدها المالي من مشاريع البناء والمقاولات هي محور “نهاية سعيدة” (عنوان ساخر يذكّرنا بفيلمه “ألاعيب مضحكة”). هناك الأب (جان لوي ترانتينيان) ذو النزعة الانتحارية، المسمّر في كرسيه المتحرك. وهناك ولداه. تضطلع بدور إحداهما إيزابيل أوبير، التي يصعب حصر شخصيتها وفهم سلوكياتها. ما نعرف عنها أنّها تتولى إدارة الأعمال. يكفينا أنها في فيلم لهانيكه لتصبح شخصيتها مؤطرة بغنى عن المزيد من التعريف. هذه لديها ابن يعاني ما يعانيه من أزمات نتيجة وطأة العائلة الثقيلة. شقيق أوبير (ماتيو كاسوفيتس) طبيب وأب غير جدير لمراهقة يُفتتح الفيلم على لقطاتها وهي تصوّر بهاتفها المحمول. لاحقاً، نتعرف إلى طبيعة الأفكار التي تعبر مخيلة هذه الطفلة. باختصار، نحن إزاء عائلة أوروبية تقليدية لا تتميّز بأي شيء سوى الثراء الفاحش واليأس والضياع والحياة المزدوجة ومحاولات الانتحار التي تصيب أفرادها. نعلم جميعاً ماذا يعني أن يدخل هانيكه وسط هؤلاء ويشيع بعض الفوضى في صفوفهم. لا نشكّ لدقيقة في قدرته على هذا. ثمة القليل من كل أفلام هانيكه في “نهاية سعيدة”. إعادة صوغ مقاربات صنعت مجده، ولكن تم تحديثها في ضوء المتغيرات الاجتماعية والسياسية في أوروبا. فبعضهم (من افريقيا) يخرج من المياه لبلوغ أرض الميعاد، وآخرون (من أوروبا) يعودون إلى المياه بعدما ضربهم اليأس. إلا أنّه، لقطة بعد لقطة، يتبيّن أنّ ما يريده هانيكه هو أن يقدّم تتمة غير رسمية لـ”حب”.

(الثلثاء ٢٩ كانون الثاني، الساعة ٢٢:١٥)

 

“حرب باردة” لبافل بافليكوفسكي

يقحمنا بافليكوفسكي في أجواء صارخة بالجمال ومتشحة بالسواد والظلال. تلك الأجواء التي جعلت من “إيدا” (٢٠١٤) فيلماً بديعاً. بافليكوفسكي يعرف ان المقاربة البصرية التي يعتمدها تتماشى تماماً مع الحقبة التاريخية والإيديولوجية التي يرويها، وهي غير منفصلة عن سيرته الشخصية، ويتضح هذا مع اهداء الفيلم إلى والديه في خطوة تكشف علاقته بالميلودراما التي يغلف بها عمله الممتاز هذا الذي عُرض في مهرجان كانّ الأخير ففاز فيه بجائزة الإخراج.

تعيدنا الأحداث إلى بولونيا بعد سنوات قليلة من الحرب العالمية الثانية. ثلاثة أشخاص مكلفون بجمع التراث الموسيقي البولوني في القرى والأرياف البعيدة، والهدف هو المحافظة على هذا الكنز الذي تحتقره النخب. الا ان الحزب الشيوعي الحاكم سيوظّف هذا التراث للتدليس السياسي والدعاية الستالينية. فمِن مكتشِف مواهب، يتحوّل “الثلاثي” إلى منسّق فرق مغنين وراقصين يمجّدون الثقافة البولونية ويردون الاعتبار اليها. الفيلم مرشّح لجائزة “أوسكار” أفضل فيلم أجنبي، وسبق ان نال العديد من الجوائز.

(السبت ٢٦ كانون الثاني، الساعة ٢٠:٠٠)

 

“غروب” للازلو نمش

يلقي بنا “غروب” في دوّامة. تنطلق الدوّامة مع افتتاحية الفيلم ولن تهدأ حتى الختام، أي حتى اللحظة التي يدرك فيها الجميع ان لا وجود لأمل بالنجاة من هذه الدوّامة، فتزداد تهديداً وخنقاً. يقارب نمش السينما كفنّ يدوس آخر قطرة إحساس عالقة في أعماق الكائن ولا يدرك وجودها.

من الطبيعي ان تبتلع الدوّامة في تدفقها كلّ شيء، وهي فعلاً ستبتلع كلّ شيء. كلّ شيء وليس أقل من ذلك. الأخلاق والقيم والمبادئ. لكن، تبقى التجربة وروعتها وعظمتها، وهذا الحزن الخانق الذي يجعلنا نشعر بأن ما عشناه لن يتكرر.

بعد تحفته “ابن شاوول” (جائزة لجنة التحكيم الكبرى في كانّ و”أوسكار” أفضل فيلم أجنبي)، لم يحقق نمش، ابن الثلاثة والأربعين، أقل من رائعة سينمائية.

“غروب” أشبه بالماتريوشكا. دائماً هناك أشياء داخل الشيء. فالفيلم عودة إلى نحو قرن إلى الخلف (بودابست عام ١٩١٣)، امعاناً في أجواء آخر أيام الأمبرطورية النمسوية المجرية. عالم جديد لم يلد بعد، والقديم يموت ببطء، و”هذا يولد مسخاً”، بحسب تعبير منسوب إلى أنطونيو غرامشي. وسط هذا كله، نتعرف إلى إيريس (جولي جاكاب) التي تصل إلى بودابست، طامحةً إلى العمل في مجال عرض القبّعات في متجر يرتاده كبار القوم. تفصيل صغير: المتجر أسسه والداها اللذان قضيا في حريق نشب في المتجر عندما كانت إيريس طفلة. فاشتراه رجل أعمال أنيق يدعى أوسكار بريل (فلاد إيفانوف). بعد الحريق، وُضعت إيريس في دار للأيتام في فيينا، وها انها تعود للبحث عن شقيقها الذي يُتداول في شأنه الكثير من الأحاديث والروايات والأساطير المتضاربة. الأرجح انه وقع في شبكات الجريمة المنظمة. إيريس تجد نفسها على عتبة هذا العالم الداكن، الزائف، الخطر، القبيح، وعليها ان تتصرف وتعتمد على نفسها للخروج إلى مكان أكثر أماناً، فلا أحد محلّ ثقة.

(الأحد ٢٧ كانون الثاني، الساعة ١٩:٣٠ والجمعة ١ شباط الساعة ٢٢:٠٠)

 

“في حرب” لستيفان بريزيه

“في حرب” نموذج للفيلم النضالي الملتزم الذي يقصد الهدف والفائدة بلا أي رومانس أو تعديل للواقع الذي يلتقطه. فنسان لاندون يضطلع هنا بدور لوران الذي يقود حراكاً عمّالياً ضد مصنع قرر صرف ١١٠٠ من الموظفين الذين يعملون لديه. تعود ملكية المصنع إلى جهة ألمانية قررت الاقفال على رغم انها كانت تحقق الأرباح. هذا سيدخلنا في أكثر من ساعة ونصف من المواجهة الميدانية والقانونية والادارية بين العمل وأصحاب الرأسمال. صحيح ان القرار بالإقفال متخذ من المراجع العليا، ولكن الفيلم مصر بتذكرينا بضرورة النضال، حتى لو كان من أجل لا شيء، ويتخد من مقولة بريشت “مَن يناضل قد يخسر، ومَن لا يناضل فهو خاسرٌ أصلاً”، مثالاً.

بالتأكيد، كلنا يعلم ماذا يعني وضع كهذا بالنسبة للسينما الملتزمة، خصوصاً ان الأشياء تتفاعل لتتحول قضية رأي عام. التشويق يمسك بالفيلم طوال مدته ويعرف كيف يوصّل الواقع العمّالي إلى المُشاهد بطريقة مبسّطة، من دون أن يكون تبسيطياً في طرحه. فنحن في عالم المال والأعمال، وما أدراك ما هو هذا العالم!

نظراً لاطلاعنا على أفلام ستيفان بريزيه السابقة، وخصوصاً “قانون السوق”، فنعلم تماماً على أي نحو سيقصّ علينا معاناة العمّال وحربهم المفتوحة على السلطة والرأسمال. لذلك، يعتمد الفيلم أسلوباً حاداً في لمقاربة الظلم، مجرداً الكلّ من عواطفه. يمكن القول ان هذا الفيلم “تنبأ” بالتحركات المطلبية والاحتجاجية التي شهدتها فرنسا أخيراً.

(الإثنين ٢٨ كانون الثاني، الساعة ٢٠:٠٠)

 

“دوغمان” لماتيو غاروني

الفيلم التاسع للمخرج الإيطالي ماتيو غاروني، أحد المعتادين على تسلّق سلالم كانّ الحمراء وجوائزها. في جديده، يعمل مارتشيللو (فونتي – فاز بجائزة التمثيل في كانّ) ممرضاً للكلاب. هو شخص محبوب في محطيه، الا ان خروج صديقه المشاغب والمدمن سيمونتشينو من السجن سيغيّر كلّ شيء في حياته، وصولاً إلى دفعه في اتجاه العنف والجريمة. من عملية اذلال إلى أخرى، يتعلّم مارتشيللو كيف يتخلى عن طيبته ويضع مبادئه جانباً. هذه هي باختصار حكاية الفيلم الذي نال استحساناً نقدياً لدى عرضه في كانّ، وكذلك عندما خرج في الصالات الإيطالية. “الفيلم استُقبل جيداً، لأن الشخصية هنا رجل عادي كغيره من الرجال، وهو يأتي برسالة مفادها ان نثق بالحياة وان نطارد حلماً قد يتحقق”، قال فونتي في مقابلة “النهار” معه خلال مشاركته في مهرجان الجونة.

(الإثنين ٢٨ كانون الثاني، الساعة ٢٠:٠٠)

 

“كتاب الصورة” لجان لوك غودار

“كتاب الصورة” لا يختلف في العمق عمّا قدّمه غودار في أفلامه الأخيرة منذ “في مديح الحبّ” (٢٠٠١). انه نوع من “زابينغ” أو كولاج ينتقل بنا من أميركا إلى الشرق الأوسط، من السينما إلى الفلسفة والشعر والموسيقى، من الأنا التي تعبّر عنها إصبع البداية إلى القلق الجمعي على مستقبل الإنسان. في نصّ مفتوح على كلّ التناقضات (ضد الثورة ومعها في الحين نفسه)، يرمي غودار هنا وهناك جملاً وقفشات وأقوالاً، بعضها له وبعضها الآخر لملمه عبر الزمن من مصادر مختلفة. الفيلم جد مزدحم، لكن ما يهم غودار هو إيجاد هذا الرابط بين أشياء بعيدة بعضها عن بعض للوهلة الأولى. ما يريد غودار ابرازه هو الفعل ورد الفعل اللذان يحكمان الكون.

وسط هذه الفوضى المنظمة بدقّة، يزحف العالم العربي إلى الفيلم. هنا يرسم غودار العديد من علامات الاستفهام حول الاستشراق، ويدخل في لازمة “أمام عيون الغرب”. ما يقترحه هنا هو لوحات تحكي القرن الذي مضى متسائلاً عن وظيفة الصورة (السينمائية تحديداً) في كتابة مآسينا. في هذا المجال، يتجلى غودار سيد تنوير شغوفاً بالآخر، الضعيف المهمش.

(الجمعة ١ شباط، الساعة ٢٠:٠٠. نقاش حول الفيلم مع المونتير فابريس أرانيو والمخرجة ميترا فاراهاني السبت ٢ شباط، الساعة ١٧:٣٠).

 

“ماغ” لمالغورزاتا زوموفكسا

ياتسك شابٌ بولونيٌ قبضاي يصبح مشوهاً بعد حادث عمل يتعرّض له خلال تشييد أكبر تمثال للمسيح في قريته. يخضع على إثره لجراحة، يُرمَّم وجهه، ثم يعود إلى المنزل. الا أنّ الجميع يبتعد منه بسبب مظهره المشوّه، فيغدو كالغريب بين أهله وفي محطيه ووسط الناس الذين أحبّهم يوماً. الموضوع الذي تطرحه المخرجة البولونية مالغورزاتا زوموفكسا رهيب في قدرته على التقاط التفاصيل والذهاب أبعد من الحدوتة وكشف المستور في مجتمع متديّن سرعان ما يظهر نفاقه أمام امتحان الأخلاق. المخرجة التي نالت عن هذا الفيلم جائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان برلين الأخير، مشغولة بتعرية بيئة ريفية يعتاش سكّانها على الشعائر الدينية، وإن باسلوب مباشر في بعض الأحيان. علماً أنّ الانصهار بين الجسد والروح لطالما كان من اهتماماتها، والمثال الذي يأتي إلى البال هو فيلمها “جسد” الفائز بجائزة الإخراج في برلين ٢٠١٥. القناع الذي يلبسه بطلنا المضاد (ياتسك)، سيساهم في إسقاط الأقنعة كلّها من وجوه أهل القرية ويظهرهم على حقيقتهم القبيحة. من خلال حكاية نضحك فيها ونحزن، أرادت زوموفسكا تصوير الخوف، خوف الآخر، سواء كان غجرياً أم شخصاً لا يشبهنا، ليخلص الفيلم برمته ونحن على قناعة بأنّ ياتسك أقل وحشية من الناس الذين يسخرون منه كلّما أدار ظهره. من دون الكثير من الوعظ، تقف المخرجة مع ياتسك، هذا الشخص الضعيف الذي يرى إنسانيته تُنتهَك من أقرب الناس إليه… ولكن، أليس من الأفضل أن نعرف حقيقة البشر بدلاً من أن نحاصر أنفسنا بالأكاذيب والأوهام في شأنهم؟ لهذا السبب، المعرفة “تحرر” ياتسك في النهاية. ليس ياتسك “الرجل الفيل” في الريف البولوني. زوموفكسا نفسها ليست ديفيد لينتش، ولكنها مصرة أن تستخرج من ياتسك ذلك الضوء الذي لا يراه الا المُشاهد الغريب، خلافاً لأقرب المقربين له الذين يقتنعون بأنه “ملبوس”.