Beirut weather 23.41 ° C
تاريخ النشر June 11, 2019
A A A
كيف يمكن أن يتحصن الامن اكثر في لبنان؟
الكاتب: العميد شارل ابي نادر - موقع المرده

ما زالت تداعيات العملية الارهابية التي استهدفت عناصر من الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي في طرابلس تتفاعل، فبالاضافة للعمل على إستيعاب التضحية الكبرى التي دفعتها الاجهزة العسكرية والامنية، هناك حراك سياسي رسمي واسع لمتابعة الملف، لناحية التحقيق بالعملية فيما لو كانت فردية كما اوحت بعض المراجع الامنية في ردة فعلها الاولى عليها، او فيما لو كانت مُدبَّرة وبمساهمة اكثر من طرف، كما ان التحقيقات الاوسع في العملية كما يبدو، تذهب باتجاه التأكد من امكانية ارتباطها بمخطط واسع يستهدف التماسك الامني في لبنان بشكل عام.
في دراسة سريعة لمعطيات العملية ومحاولة الوقوف على اسبابها، يمكن الاشارة الى ما يلي :
لقد اعتبر البعض ان الاسباب الرئيسة للعملية هي اطلاق سراح الارهابي عبد الرحمن مبسوط خلال وقت قصير بالرغم من كونه داعشي، ويملك فكر تكفيري والتزام بالاعمال الارهابية، كما وتبين من وقائع تنفيذه للعملية انه يملك خبرة وقدرة عملانية وارهابية غير بسيطة، وهذا بمعزل عن صحة او دقة المعلومات حول وضعه النفسي او ما شابه.
اعتبر البعض الاخر ان للعملية اسباباً اخرى، فهزيمة تنظيم داعش في سوريا دون حسم مصير ارهابييه ومقاتليه المتشددين، لناحية التوقيف او القتل او الترحيل بعيدا، خلق الفرص المناسبة لهؤلاء للتسلل او على الاقل للاختباء ومتابعة الاعمال الارهابية تخطيطا وتنفيذا، الامر الذي لا يمكن استبعاده في عملية مبسوط، خاصة اذا افضت التحقيقات الى ارتباطها باكثر من مساهم.
لا شك أنّ امكانية وقف تسلل الارهابيين هي غير واردة بشكل كامل، وذلك لاسباب كثيرة، كما ان عملية اطلاق سراح الموقوفين من اصحاب الشبهات او المتهمين بالتشدد الديني الخطر، او المحكومين باحكام سجن غير طويلة، هي واقعٌ يفرض نفسه، بحيث لا يمكن ابقاء هؤلاء موقوفين الى الابد، خاصة وان عددهم الكبير يفرض التساهل او التخفيف من الاحكام ومدة التوقيفات، وذلك لاسباب اجتماعية وسياسية عائلية تفرض نفسها ولا يمكن تجاوزها، كما ان قدرة الاجهزة الامنية والعسكرية على مراقبة هؤلاء مراقبة دقيقة ومتواصلة، هي قدرة محدودة نسبيا، ومن المستحيل ان تكون فعالة بشكل كامل، لاسباب لوجستية وعملانية وادارية وفنية، فهل يمكن القول ان هناك استحالة في خلق استقرار امني كامل بمواجهة الارهابيين، او في منع اية عملية ارهابية ؟.
في الحقيقة ، لا يمكن القول هكذا والاستسلام امام الارهاب، ولكن ربما تحتاج العملية الى بعض التغيير في مناورة المواجهة، فلا يكفي عند كل عملية ارهابية، جمع قادة الاجهزة العسكرية والامنية و التشديد عليهم برفع مستوى الجهوزية والمتابعة الامنية، وبتنفيذ الامن الاستباقي، لان هذه الاجهزة غير مقصّرة بذلك بتاتا وتقوم بتنفيذ واجباتها على اكمل وجه، خاصة انها مستهدفة من الارهاب قبل غيرها، فهي على تماس مباشر مع الذئاب المنفردة ومع الخلايا النائمة، وهي التي تراقبهم عن كسب وتتنصت عليهم وتتموه في اقترابها منهم ومن تواجدهم.
الحل الانسب يكون معنوي وعملي، فالمعنوي يمكن ان يأخذ اتجاهين : الاول يقوم على خلق الثقة المتبادلة بين المسؤولين السياسيين وبين قادة وكوادر وضباط ورتباء الاجهزة الامنية والعسكرية، وذلك من خلال تحصين هؤلاء بمواجهة اي تدخل سياسي يميز بين بعضهم في المراكز وفي الوظائف وفي المكتسبات وفي الترقيات، لاسباب مذهبية او مناطقية او ما شابه، خاصة انه لا يمكن نكران وجود اجواء توتر سياسي مؤخرا، رافقت العملية الارهابية، ومن غير المستبعد ان يكون المنفذ او من أداره ووجَّهَه، إستغلَّ هذا الوضع السياسي المتوتر لتنفيذ عمليته.
الاتجاه الثاني للحل المعنوي، يقوم على خلق حالة من الاستقرار لدى عناصر الاجهزة الامنية والعسكرية، وذلك من خلال العمل على تحقيق الامان الاجتماعي لعائلات هذه العناصر، فاصابتهم عند تنفيذ المهمات الخطرة بمواجهة الارهابيين هي واردة بنسبة كبيرة، كما وان اسستشهادهم وارد ايضا بنسبة كبيرة، فلا يكفي ان ندعمهم بالكلام فقط عند حصول اية عملية ارهابية او عند حصول اي توتر امني يستدعي رفع جهوزيتهم، وفي القرارات القانونية التي فيها حماية وتثبيت لحقوقهم، ننسى اهمية دورهم وخطورة مهماتهم ونسمح لانفسنا بتجاوز حاجاتهم الطبيعية والاستخفاف بمكتسباتهم وبحقوقهم وبحقوق عائلاتهم.
سيكون من غير العادل او المنطقي ان نشغل الاجهزة الامنية والعسكرية فترة طويلة من الوقت بمهاترات وبتجاذبات تتعلق بحقوقهم وبحقوق عائلاتهم، بشكل تكون تأثيراتها وتداعياتها على معنوياتهم غير بسيطة، وسيصعب عليهم حينها تجاوزها بشكل كامل وابعاد تأثيراتها عن مستوى طبيعة الجهوزية والتركيز والفعالية في العمل .
الحل العملي يقوم على التالي: في متابعة لاغلب العمليات الارهابية المؤذية والعنيفة، نجد انها تُنَّفذ عبر حصول الارهابيين على اسلحة نوعية او على الاقل على اسلحة قادرة على الايذاء وقتل اكبر عدد ممكن، ومنها المتفجرات والاحزمة الناسفة والقنابل والرشاشات الاوتوماتيكية.
لذلك من الضروري والمفترض العمل على ضبط هذه الوسائل والاسلحة، ومنع انتشارها او توزيعها بشكل كامل، وهذا يتم عن طريق حملة واسعة لمصاردة تلك الاسلحة، وعبر التشدد في حصول المواطنين على رخص حمل ونقل اسلحة، مع ضرورة التركيز على متابعة مصادر هذه الاسلحة والاشخاص المعروفين باقتنائها او ببيعها وتأمينها، خاصة ان المعلومات شبه الاكيدة حتى الساعة تشير الى استحصال الارهابي مبسوط على اسلحته من خلال شرائها.