Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر November 27, 2023
A A A
كيف يقرأ “حزب الله” مرحلة ما بعد “الهدنة الإنسانية”؟
الكاتب: ابراهيم بيرم - النهار

في اليوم الأول لسريان الاتفاق الذي أفضى الى الهدنة الإنسانية الموقتة في غزة، وفي ذروة صعود السؤال عن مدى انعكاس هذا الاتفاق المولود على وقع مخاض جولات مفاوضات عسيرة، على جبهة الحدود الجنوبية اللبنانية، بدا “حزب الله” القابض على زمام تلك الجبهة حريصاً على تظهير أمرين اثنين:

– الأول أنه كعادته يرفض إعطاء أي تعهّد واضح وحاسم بإعلان الالتزام بمندرجات هذا الاتفاق في بقعة عملياته الحدودية، وكل ما صدر عنه أوحى بأنه ليس جزءاً من المفاوضات التي قادت الى ذاك الاتفاق أو أنه شريك فيه، وهو ما أعطاه مساحة لإعلان التحلل منه إذا ما طرأ طارئ أو استجدّ ما يلزم للخروج عنه.

الثاني، وفي المقابل عمل الحزب عبر إعلامه الميداني على تظهير واقعة أساسية وهي أن ما يجري على الحدود الجنوبية لا يوحي بأن ثمة هدنة إنسانية بل ما حاصل هو مجرد “هدوء حذر وهش” بين الجانبين يُخرق دوماً.

واستكمالاً لهذه الصورة أبرز إعلام الحزب في اليومين اللذين تليا سريان الاتفاق في غزة حيّزاً لعمليات إطلاق نار من الجانب الإسرائيلي على سيارات عابرة وعلى عمليات ترهيب لمزارعين سارعوا الى جني موسم الزيتون فضلاً عن إطلاق قذائف على خراج بعض البلدات الحدودية.

وفي الموازاة تحدث الإعلام الإسرائيلي عن إسقاط صاروخ أرض – جو أطلق من الأراضي اللبنانية باتجاه مسيّرة إسرائيلية. وعلى الأثر ضربت طائرات حربية إسرائيلية مقاتلة البنية التحتية للحزب، كما أُطلق صاروخ اعتراضي خلال الحدث. وبمعنى آخر شاءت إسرائيل أن تقدّم الحزب بمظهر المستمر في مواجهاته معها وغير المعنيّ بأي اتفاق هدنة، فيما شاء الحزب في المقابل أن يظهر عدم التزامه ببنود أي اتفاق هدنة وأن يبرهن عملانياً وميدانياً أنه في حلّ تلقائياً من موجبات هدنة أو وقف للنار أو ما شابه.

وبناءً على ذلك كان الواضح أن الحزب ما انفك يلعب لعبة الرقص على حافة الهاوية وهي اللعبة عينها التي أطلقها باكراً وتحديداً منذ الثامن من الشهر الماضي أي في اليوم الذي أعقب انطلاق حركة حماس في عمليتها “طوفان الاقصى”.

واستطراداً فإن الحزب وفق تعريف أحد الخبراء يرصد مسارات الوضع على الحدود انطلاقاً من الآتي:

– إثبات أن جهازه العسكري ما زال على الدرجة القصوى من الاستنفار والاستعداد لكل الاحتمالات وكأن المواجهات ما زالت مستمرة وعلى أشدّها.

– كذلك فإن الحزب في الوقت عينه يريد أن يبرهن لإسرائيل والولايات المتحدة معاً أنه ماضٍ قدماً في المواجهات الى أقصى الحدود وأنه غير مقتنع بأن الهدنة وُجدت لتدوم وأن الأوضاع ستعاود سيرتها الأولى قبل عملية “حماس” وتالياً هو يتصرّف على أساس أن ساعة العودة الى ميدان المواجهة آتية خصوصاً في حسابات الإسرائيلي.

ومع كل هذه المعطيات يسلك الحزب مسلك المقتنع ضمناً بأن المواجهات التي خاض غمارها طوال الأيام الـ47 الماضية قد نجحت في إرساء تجربة مواجهة مثمرة ويمكن البناء والمراكمة عليها خصوصاً أن السيد حسن نصرالله أوحى منذ إطلالته الأولى بأن النتيجة التي ينتظرها الحزب والمحور كله جزء من عملية مراكمة أي هي نقاط تضاف الى نقاط أخرى في رحلة مقارعة طويلة مع إسرائيل. هذا مع إقرار الحزب بأن التضحيات التي قدّمها في مسار المواجهات الأخيرة هي جسيمة.

ولا شك أن الحزب وفق مصادر على صلة به يتابع كل الصخب والضوضاء الذي مارسه الإعلام الإسرائيلي وهو يتحدّث بصراحة عن أن الحزب نجح عبر الحدود الجنوبية في تحقيق نقاط كسب وفوز على الآلة العسكرية الإسرائيلية. وكانت صرخة الألم عالية الى درجة أن محللين إسرائيليين لم يستطيعوا أن يكتموا استنتاجاً فحواه أن خلاصة ما حصل واستقر أن مقاتلي “حزب الله” قد تقدموا وتقدموا ليصيروا تماماً على الشريط الحدودي مع صواريخهم، فيما الجنود الإسرائيليون اضطروا تحت وطأة الضغوط والضربات الى التراجع التدريجي ليصبحوا على عمق لا يقل عن خمسة كيلومترات حداً أدنى.

وفي هذا السياق يرصد الجهاز المختصّ في الحزب تقارير حفلت بها وسائط الإعلام الإسرائيلي نقلاً عن القيادة الإسرائيلية وجوهرها أن هذه القيادة اضطرت الى إخلاء 14 مستوطنة من أصل 24 مستوطنة تشكل عديد مستوطنات الشمال. وقد أبعدت سكانها الى الداخل الإسرائيلي وأبقت فقط على عشر مستوطنات تُعد آمنة.

وبناءً على ذلك أيضاً يستمع الحزب الى الإعلام الإسرائيلي وهو يعيد إلقاء الضوء مجدداً على ما سمّاه “التطور الذي ظهر على الترسانة الصاروخية للحزب خلال أيام المواجهات الـ47 الأخيرة” معتبراً “أنه يرمز الى مرحلة جديدة في تطورات تهديد حزب الله”.

ولا ريب في أن الحزب يستمع الى التقييمات الإسرائيلية للمزايا التي يتمتع بها صاروخ “بركان” الذي استخدمه الحزب 7 مرات أخيراً إن لجهة وزن قوته التدميرية التي تصل الى 500 كيلوغرام وإن لجهة مداه الذي يصل الى 12 كيلومتراً.

وترفض المصادر المعنيّة في الحزب التعقيب على هذه المعلومات الإسرائيلية لكنها تفصح عن معلومة فحواها أن كل منطقة الشمال الإسرائيلي أي الجليل الأعلى توشك أن تكون خالية بفعل تراجعات القوات الإسرائيلية الى الوراء.

وتدليلاً على حال الحذر التي تسود سكان الجليل فإن الحزب يتحدث عن “رفض سكان المستوطنات في تلك البقعة العودة إليها ما دام عناصر “الرضوان” يبيتون تحت نوافذهم”.

وحسب مصادر مقربة من الحزب فإن “عين الحزب لم تكن مصوّبة على الإسرائيلي، فبالنسبة إليه تتكفل به حركة “حماس” ومن معها من الفصائل، إذ إن عين الحزب دوماً موجّهة الى الأميركيين تحديداً. ولقد تبدّى هذا الأمر يوم أعلن السيد نصرالله أنه وحزبه يشكلان جبهة مساندة لغزة وأوكل لنفسه في الوقت عينه مهمّة منازلة الأميركيين وإظهار الاستعداد لمصادمتهم. وقد ذكّر في إطلالته الأولى بدور الحزب ومقاتليه في مواجهات حقبة الثمانينيات معهم، مرفقاً ذلك بجملة رسائل مشفرة برزت في إطلالته الثانية”.

ولم يعد جديداً القول إن الحزب لم يكن وحده في هذه المهمة فقد شاركه فيها العراقي والسوري في الساحتين العراقية والسورية وأخيراً أتت مشاركة جماعة أنصار الله المزدوجة (الصواريخ على إسرائيل والسفن الإسرائيلية العابرة في باب المندب) وذروة المشاركة أيضاً المشاركة الإيرانية المباشرة في بحر العرب.

وأخيراً بدا الحزب مقيماً على قناعة فحواها “أن جهوده المشفوعة بجهود شركائه في المحور قد أعطت ثمارها عند إدارة واشنطن التي مارست كل هذا الكمّ من الضغوط على إسرائيل للحيلولة دون جرّ “حزب الله” الى المعركة الواسعة والمقرونة أيضاً برفض أي حديث عن إنهاء صلاحية القرار الأممي الـ1701. وبضغوطها على إسرائيل للقبول بصفقة الهدنة الإنسانية مع حركة “حماس”. وبالعموم يرفض “حزب الله” كل ما يقال عن أنه كان ملتزماً بقواعد الاشتباك كل الفترة الماضية. فالبنسبة إليه “هذا قول إما الجاهلين باستراتيجيا الصراع أو كلام الذين لا يريدون أن يقرّوا للحزب بأنه طوّر قدراته مدخلاً سلاحاً كاسراً للتوازن باعتراف العدو نفسه”.