Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر January 3, 2019
A A A
كيف سيؤثر الإنسحاب الأميركي على النفوذ الإيراني في سوريا ؟
الكاتب: العميد شارل ابي نادر - موقع المرده

لا شك ان الانسحاب المرتقب للوحدات الاميركية من سوريا، قد خلق وضعا جديدا وحساسا اربك بعض اللاعبين على الساحة السورية، وحيث تفاجأ به البعض وكان منتظرا من قبل البعض الاخر، سوف يكون هذا الانسحاب عاملا اساسيا في إحداث تغيير غير بسيط، في المنطقة بشكل عام و طبعا في سوريا بشكل خاص، وهذا التغيير المرتقب في سوريا، لن يقتصر على النواحي الميدانية والعسكرية، بل سيشمل موقعَ ونفوذ اغلب الاطراف المؤثرة في الميدان السوري، ومنها ايران كطرف اساسي، كان لنفوذها ولموقعها الدور الرئيس في دعم ومساندة سوريا في الحرب الواسعة التي شنت عليها .
يدور الكلام حاليا عن طبيعة تأثير هذا الوضع المستجد في سوريا على النفوذ الايراني في سوريا، فالمعنية الاساس والتي هي الولايات المتحدة الاميركية تعمل في الاعلام وفي الديبلوماسية على طمأنة ” المتضرر ” الاكبر من انسحابها اي اسرائيل، بانها سوف تضع في حساباتها، وعند تنفيذ مناورة استثمارهذا الانسحاب كهدف اساسي، محاربة النفوذ الايراني في سوريا، من خلال الغائه بشكل كامل اذا استطاعت، او تخفيفه قدر الامكان عند استحالة الغائه بالكامل .
اسرائيل من جهتها، وبمعزل عن الموقف الاميركي من النفوذ الايراني في سوريا، سوف تستشرس لمواجهة هذا النفوذ ، والتي لا تحصره فقط بالوحدات الايرانية وبالمستشارين والقادة والخبراء، بل ترى في تواجد وانتشار حزب الله اللبناني نقطة الارتكاز الاساسية في هذا النفوذ الايراني .
بالمقابل ، طبعا لا يمكن المرور مرور الكرام على موقف روسيا من هذا النفوذ، والتي سوف تصبح لاعبا اساسيا في سوريا بعد الانسحاب الاميركي، وطلائع هذا الدور الروسي المرتقب بدأت تظهر من خلال مفاوضات التنسيق الروسي – التركي الرفيعة المستوى، لتعبئة الفراغ الذي سوف يحدثه الانسحاب الاميركي، والذي سوف يتطرق حتما عند تنفيذ هذا التنسيق على الارض، الى نقاط ومواقع فيها تواجد عسكري او امني ايراني او حليف لايران، منها في الشرق بمواجهة داعش ما بين البوكمال ودير الزور، ومنها في بعض ارياف حلب وحماه .
فالروس، صحيح انهم تحالفوا وبقوة مع الايرانيين في دعم سوريا، بمواجهة الارهاب او بمواجهة النفوذ الاميركي غير المباشر، والذي ظهر عبر مجموعات مختلفة من المسلحين، كانت رعتهم ودعمتهم ومولتهم وسلحتهم الولايات المتحدة الاميريكة، لكن لا يمكن القول ان روسيا بعد الانسحاب الاميركي سوف تُسَهّل التواجد الايراني في سوريا، والذي ينتج عنه نفوذا قادرا على ان يأكل من نفوذها ، سياسيا واقتصاديا على الاقل ، اذا لم نقل من الناحية العسكرية، وقد بدأت تظهر طلائع هذا الموقف الروسي من خلال تصريحات بعض مسؤوليهم، حول عدم ضرورة الابقاء على التواجد الايراني في سوريا بعد استعادة الاخيرة سلطتها كاملة على الجغرافيا السورية .
طبعا هذه المواقف الاساسية حول التصويب على النفوذ الايراني في سوريا واستهدافه، من قبل الاميركيين او من قبل العدو الاسرائيلي، او حتى من قبل روسيا، ولو تحت ” ستار” شرط اكتمال الدولة السورية سلطتها على كامل جغرافيتها، سوف تكون منتجة ومؤثرة بشكل او بآخر، وحدود او نسبة هذا التأثير على نفوذ ايران في سوريا، لا يمكن تحديدها الا من خلال تحديد اهداف ايران بالاساس من تواجدها في سوريا، ومقارنتها مع ما تحقق من هذه الاهداف حتى الان، وذلك على الشكل التالي :
لناحية دعم سوريا : لا شك ان الهدف الايراني في دعم سوريا بمعركتها في الحرب التي شنت ضدها، قد تحقق حتى الان بنسبة كبيرة، ميدانيا وعسكريا وحتى سياسيا، حيث الدولة السورية اليوم على الطريق لاكتمال تحرير كامل جغرافيتها، وهي ايضا على موعد مع عودة شبه طبيعية لعلاقتها مع قسم كبير من الدول العربية، وفي هذه النقطة لن يكون هناك تأثير سلبي على النفوذ الايراني، بل بالعكس من ذلك .
لناحية مواجهة اسرائيل والارهاب : يمكن القول ان النفوذ الايراني في سوريا والمتعلق بمواجهة اسرائيل، ينقسم الى قسمين، الاول يتعلق بمواجهة الارهابيين الذين دعمتهم اسرائيل في سوريا، بطريقة مباشرة او بطريقة غير مباشرة، وهذا الهدف قد تحقق تقريبا بعد اندحار هؤلاء وانتصار الدولة السورية عليهم، وهذا يمكن ان يصب ايجابا لصالح النفوذ والموقع الايراني في سوريا .
القسم الثاني والمتعلق بمواجهة اسرائيل مباشرة، فصحيح ان هذا الموضوع قد اصبح مقيدا بعض الشيء، بعد التسوية الروسية الاسرائيلية والمتعلقة بابعاد النفوذ الايراني عن الجنوب السوري، كشرط اساسي لعدم عرقلة تمدد الدولة السورية جنوبا، ولكن بالاساس هذه المواجهة لم تتبناها ايران بشكل منفرد انطلاقا من الاراضي السورية، فهي كانت دائما تحترم قرار واستراتيجية الدولة السورية فيما خص مواجهة العدو الاسرائيلي انطلاقا من الاراضي السورية، لناحية التزام دمشق بالقرارات الدولية المتعلقة بالهدنة وبخط وقف النار في الجولان المحتل، كما ان ايران برهنت دائما انها تحترم قواعد الاشتباك التي ترعى عمل كامل اطراف محور المقاومة، وفي هذا الموضوع ايضا، يمكننا القول ان النفوذ الايراني في سوريا يقوى ويثبت اكثر بقدر ما يقوى ويثبت موقع ودور وسلطة الدولة السورية على كامل اراضيها.