Beirut weather 14.1 ° C
تاريخ النشر March 2, 2021
A A A
كيف سبق توماس إديسون عصره بـ 120 عاماً؟
الكاتب: بي بي سي
_117337532_ce17afee-31c0-4280-88e6-33bee72c2e07 _117337536_c1b002e9-26e9-4f4d-bdb8-ce381256fbad
<
>

كانت السيارة الكهربائية التي تقطع الشارع المرصوف بالحصى في مدينة ويست أورانج، في ولاية نيو جيرسي الأمريكية، تعبر بسرعة، ومن الواضح أن بعض المشاة فوجئ بسعة مقصورتها الداخلية.
وكانت سرعة السيارة ضعف سرعة السيارات الأخرى وتتجاوزها بسهولة، مثيرة حولها غيمة صغيرة من الغبار الذي يدخل ربما في أنوف الخيول وهي تجر العربات بثبات على طول الشارع.
كان ذلك في أوائل القرن العشرين، ولم يكن سائق تلك السيارة سوى توماس إديسون، المخترع الشهير. لم تكن السيارات الكهربائية شيئا جديدا في ذلك الحي، لكن معظمها كان يعتمد على بطاريات ثقيلة وبطيئة، تعمل بواسطة حمض الكبريتيك والرصاص، في حين جهز إديسون سيارته ببطارية من نوع جديد، وكان يأمل بأن تصبح قريبا المعتمدة لتشغيل السيارات في جميع أنحاء البلاد: بطارية من النيكل والحديد.
وحسب إديسون، فقد كانت بطارية النيكل والحديد تمتلك مرونة كبيرة في الاستخدام، وشحنها أسرع بمرتين من بطاريات الرصاص الحمضية. وقد أبرم صفقة مع شركة فورد موتورز لإنتاج السيارة الكهربائية المزودة بهذه البطارية التي يفترض أنها أكثر كفاءة.
لكن بطارية إديسون كان لديها بعض الجوانب السلبية، فقد كانت أكبر من بطاريات الرصاص الحمضية المستخدمة على نطاق واسع، كما أنها أكثر تكلفة. والأمر الآخر والأهم، هو أنها تطلق الهيدروجين أثناء شحنها، والذي كان يعتبر مؤذيا، ويمكن أن يكون خطيرا.
لكن لسوء الحظ، عندما توصل إديسون إلى صنع نموذج أفضل، كانت السيارات الكهربائية في طريقها للاختفاء تاركة الساحة للسيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري، والتي يمكنها قطع مسافات أطول بدون الحاجة إلى التزود بالوقود أو شحن البطارية. وهكذا كان الإهمال مصير صفقة إديسون.
لكن بعد مرور أكثر من قرن، أعاد المهندسون اكتشاف بطارية النيكل والحديد، التي يُعتقد أنها قد تكون الحل المناسب للتحدي الدائم الذي يشكله إنتاج الطاقة المتجددة: التغلب على عدم ثبات مصادر الطاقة النظيفة مثل الرياح والطاقة الشمسية. أما الهيدروجين، الذي كان يعتبر ناتجا ثانويا مثيرا للقلق، فقد يكون اليوم أحد العناصر الأكثر فائدة في هذه البطاريات.
وفي منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، أجرى فريق بحث من جامعة دلفت للتكنولوجيا في هولندا بحثا عن الهيدروجين الناتج عن استخدام بطارية النيكل والحديد. فعندما تمر الكهرباء عبر البطارية أثناء شحنها، يحصل تفاعل كيميائي يطلق الهيدروجين والأكسجين. وأدرك الفريق أن هذا التفاعل يشبه التفاعل المستخدم لإطلاق الهيدروجين من الماء، والمعروف باسم التحليل الكهربائي.
يقول فوكو مولدر، رئيس فريق البحث في جامعة دلفت: “بدا لي أن الكيمياء هي نفسها”. وتفاعل تفكيك الماء هو إحدى طرق إنتاج الهيدروجين لاستخدامه كوقود، وهو وقود نظيف تماما أيضا، شرط أن تكون الطاقة المستخدمة لدفع التفاعل من مصدر متجدد.
وبينما كان مولدر وأفراد فريقه يعلمون أن أقطاب بطارية النيكل والحديد قادرة على تفكيك الماء، فقد فوجئوا بأن الأقطاب الكهربائية أصبحت تخزن طاقة أعلى مما كانت عليه قبل إنتاج الهيدروجين. بمعنى آخر، أصبحت البطارية أفضل عندما تم استخدامها كمحلل كهربائي أيضا. كما فوجئوا بمدى قدرة الأقطاب الكهربائية على مقاومة التأثر بالتحليل الكهربائي، والذي يمكن أن يتلف البطاريات التقليدية.
يقول مولدر: “أسعدنا بالطبع أن كفاءة الطاقة بدت جيدة خلال العملية”، وقد وصلت مستوياتها إلى ما بين 80 و90 في المئة.
وأطلق مولدر وأعضاء الفريق على ابتكارهم “باتوليزر”، وهو اسم مؤلف من كلمتين تعنيان البطارية المحللة، ويأملون أن يساعد اكتشافهم في إيجاد حل لتحديين رئيسيين متعلقين بالطاقة المتجددة: تخزين الطاقة، وإنتاج وقود نظيف عندما تكون البطارية مشحونة.
يقول مولدر: “سنسمع الكثير من النقاشات حول البطاريات من ناحية، وإنتاج الهيدروجين من ناحية أخرى. كان هناك دائما نوع من المنافسة بين هذين الاتجاهين، لكننا في الحقيقة نحتاج إلى كليهما”.
دعم الطاقة المتجددة
ويتمثل أحد أكبر التحديات التي تواجهنا عند استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية في احتمال انقطاعها وعدم إمكانية التنبؤ بتوفرها من عدمه. فبخصوص الطاقة الشمسية، على سبيل المثال، هناك فائض من الطاقة التي تنتج خلال ساعات النهار وفصل الصيف، لكن أثناء الليل وخلال أشهر الشتاء، يتراجع الإنتاج، أو ينعدم تماما.
ويمكن للبطاريات التقليدية، مثل تلك التي تعتمد على الليثيوم، أن تخزن الطاقة على المدى القصير، لكن عندما تكون مشحونة بالكامل، يتعين عليها إطلاق أي فائض طاقة أو قد ترتفع درجة حرارتها ويتراجع أداؤها. في المقابل، تحافظ بطارية “باتولايزر” المصنوعة من النيكل والحديد على ثباتها عندما تصل إلى الشحن الكامل، وحينها يمكن أن تتحول إلى إنتاج الهيدروجين.
يقول جون بارتون، الباحث المشارك في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية والتصنيع في جامعة لوبفرا البريطانية إن “بطاريات النيكل والحديد مرنة، وقادرة على تحمل الشحن المنخفض والشحن الزائد بشكل أفضل من البطاريات الأخرى”.
ويضيف بارتون، الذي أجرى أيضا أبحاثا حول بطاريات باتولايزر: “مع إنتاج الهيدروجين، يمكن لبطارية باتولايزر تخزين الطاقة لعدة أيام، وحتى لشهور.”
وتتميز بطاريات النيكل والحديد بخصائص مفيدة أخرى عدا إنتاجها للهيدروجين، فهي أولا، وقبل كل شيء، تحتاج إلى القليل فقط من الصيانة، وهي متينة للغاية وعمر استخدامها طويل، كما أثبت إديسون في سيارته الكهربائية مطلع القرن الماضي، حتى أن بعضها دام لأكثر من 40 عاما، كما أن المعدنين اللازمين لصنع البطارية، وهما النيكل والحديد، أكثر توفرا من معدن الكوبالت مثلا والمستخدم في صناعة البطاريات التقليدية.
وهذا يعني أن بطاريات “باتولايزر” من المحتمل أن يكون لها دور فعال في ما يتعلق بالطاقة المتجددة: مساعدتها على أن تصبح أكثر ربحية.
وعلى غرار أي صناعة أخرى، تتغير أسعار الطاقة المتجددة بناء على مبدأ العرض والطلب. ففي يوم مشرق ومشمس، تكون هناك وفرة في الطاقة المستمدة من الشمس، ما يؤدي إلى فيض في العرض وانخفاض في السعر، على عكس ما يحصل في فترة الشتاء، في حين أن بطاريات “باتولايزر” يمكن أن تساعد في تخفيف الفروقات الكبيرة في هذه التغيرات.
ويقول مولدر: “عندما تكون أسعار الكهرباء مرتفعة، يمكنك تفريغ هذه البطارية، لكن عندما يكون سعر الكهرباء منخفضا، يمكنك شحن البطارية وإنتاج الهيدروجين”.
وليست بطاريات “باتولايزر” الوحيدة التي تمتلك هذه الخاصية. فيمكن للمحللات الكهربائية القلوية التقليدية المقترنة بالبطاريات أداء هذه الوظيفة أيضا، واستخدامها منتشر على نطاق واسع في إنتاج الهيدروجين. إلا أن مولدر يعتقد أن بطاريات “باتولايزر” يمكنها القيام بالمهمة نفسها، لكن بتكلفة أقل ولفترة أطول، وذلك بفضل متانة نظام تشغيلها وقدرة تحمله العالية. وهو أمر يدعو للتفاؤل بالنسبة لأنصار هذا النوع من البطاريات.
ورغم أن الهيدروجين هو المنتج المباشر لبطارية “باتولايزر”، فيمكنها أيضا إنتاج مواد مفيدة أخرى، مثل النشادر (الأمونيا) أو الميثانول، اللذين يسهل تخزينهما ونقلهما.
ويقول هانز فريينهوف، الرئيس التنفيذي لشركة بورتون فنتشورز، وهو أيضا أحد المستثمرين في بطاريات “باتولايزر”: إن “وجود بطارية باتولايزر سيجعل مصنعا لإنتاج الأمونيا يعمل بشكل أكثر انتظاما، كما سيحتاج إلى قوة بشرية عاملة أقل، وهو ما يقلل من تكاليف التشغيل وتكاليف الصيانة، وبالتالي سيكون إنتاج الأمونيا أرخص وبطريقة مستدامة وصديقة للبيئة”.
وفي الوقت الحالي، تعمل أكبر بطاريات “باتولايزر” بطاقة 15 كيلوواط في الساعة، ولديها قدرة عالية على تخزين الهيدروجين لفترة طويلة، وهو ما يجعلها قادرة على تشغيل 1.5 منزلا بكافة المستلزمات. وهناك نسخة أكبر من “باتولايزر” بقوة 30 كيلو واط في الساعة، وهي تعمل في محطة ماغنوم للطاقة في إيمشافن بهولندا، وتوفر ما يكفي من الهيدروجين لتلبية احتياجات محطة الطاقة.
وبمجرد خضوع بطاريات “باتولايزر” للاختبارات الصارمة اللازمة، فالهدف هو زيادة توسيع نطاق استخدامها وتوزيعها على منتجي الطاقة الخضراء، مثل مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وفي نهاية المطاف، يأمل أنصار هذا النوع من البطاريات في أن تصل إنتاجيتها إلى مقياس غيغاواط – أي ما يعادل الطاقة المولدة من حوالي 400 توربينة رياح. لكن إضافة إلى رفع الإنتاج، يرى بارتون أن هناك دورا للحجم الأصغر من بطاريات “باتولايزر” أيضا، وهو المساعدة في توفير الطاقة للشبكات الصغيرة التي تستخدمها المجتمعات النائية التي لا تعيش في مناطق تصلها شبكات الطاقة الرئيسية.
وقد يكون من الأمور المساعدة أن الأقطاب الكهربائية لبطاريات “باتولايزر” مصنوعة من معادن متوفرة ورخيصة نسبيا. وعلى عكس الليثيوم، لا يتسبب النيكل والحديد بإنتاج كميات كبيرة من النفايات في المياه عند تعدينهما، وبالتالي ليس لهما تأثير سيء كبير على البيئة.
ومع ذلك، يرى كل من مولدر وبارتون أن هناك عقبات يجب التغلب عليها من حيث الكفاءة. يقول بارتون: “سيكون من المفيد لبطاريات باتولايزر حقا أن تتم زيادة قدرتها كبطارية، أو تخفيض مقاومتها الداخلية”. والمقاومة الداخلية هي معارضة تدفق التيار في البطارية، وكلما ارتفعت هذه المقاومة انخفضت الكفاءة. وهو أمر يعمل مولدر وفريقه الآن على تحسينه.
ولم تكن معظم الإمكانات التي تتمتع بها بطاريات “باتولايزر” معروفة حتى منذ أن بدأ توماس إديسون في تجربة بطارية النيكل والحديد في مطلع القرن العشرين. لكن قد تلعب بطارية النيكل والحديد دورا في استبدال الوقود الأحفوري على نطاق أوسع، ومن خلال المساعدة على تسريع الانتقال إلى استخدام الطاقة المتجددة.