ضجّ إعلام العدو خلال الشهر الفائت بالتحذيرات من خطر تآكل الردع الإسرائيلي حتى أكدت عملية “ثأر الأحرار” المؤكد.. ما تسمى بالقبة الحديدية استحالت كرتونية بعدما عجزت عن صدّ رشقات صواريخ المقاومة التي طالت “تل أبيب”.
ورغم المزاعم الصهيونية بنجاح المهمة، إلا أنّ الميدان قال كلمته وصواريخ المقاومة جرّعت كأس الرعب لمستوطني الكيان ومسؤوليه، حيث وثّقت الفيديوهات هرولتهم إلى الملاجئ بشكل مثير للسخرية.
تآكل الردع تزامن مع خسائر مالية كبيرة تكبدها العدو الذي لم يكن ليتخيل أن المقاومة الفلسطينية التي خسرت خيرة قادتها ستمتلك كل هذه القوّة والإرادة الصلبة والصمود في المواجهة، كما أنها ستقدّم مشهد الوحدة المشرّف لكافة فصائلها للدفاع عن الأرض في وجه عدو واحد يُدعى “إسرائيل”.

العميد الركن الدكتور أمين حطيط يوضح في حديث لموقع “العهد” الإخباري أنّه عندما نتحدث عن قوّة أو خاصيّة الردع لدى قوة عسكرية معينة فإننا نتحدّث عن الردع في الهجوم والردع في الدفاع، فالردع في الهجوم يمنع المكوّن العسكري أو المكوِّن شبه العسكري من المبادرة إلى هجوم عسكري في الميدان امتناعًا يلتزمه خشية ردّ الخصم، فإذا كان الخصم قد اتخذ من التدابير ما يجعل الهجوم ساقطًا أو فاشلًا وما يجعل ردّة الفعل بعد الهجوم مؤلمة بحيث لا يقوى الفريق المهاجم على احتمالها، فإنّ الفريق الذي تحدثه نفسه عن الهجوم يمتنع عنه، ونقول عنه إنّه ارتدع، والذي ردعه أمران:
أولًا خشيته من الفشل، وثانيًا خشيته من العقاب أو ردّة الفعل، فيكون الهجوم ممنوعًا بالقوة الردعية التي امتلكها الفريق الآخر.

ردع المقاومة للعدو كان دفاعيًا وهجوميًا

ويتابع العميد حطيط “أما الردع في الدفاع، فعندما يُقدم طرف معين على هجوم يستهدف مكوِّنًا عسكريًا محدّدًا فإنه من واجبات هذا المكون أن يدافع عن نفسه، ولكن إذا كان هذا الدفاع سيستدرج المهاجم إلى تدابير أشدّ قسوة وأكثر إيلامًا، فإنّه يمتنع (أي الفريق المدافع) عن الدفاع ويبتلع الضربات التي تُسدّد له بهجوم من العدو ونقول أنّه كان مردوعًا دفاعيًا”.
فإذًا الردع يكون هجوميًا أو دفاعيًا، وإذا أسقطنا هذه المفاهيم على العدو الإسرائيلي في مواجهة المقاومة الفلسطينية نجد أنّه هو الذي اعتدى والمقاومة في موقع الدفاع، ولكنها لم ترضخ لإملاءاته بل إنها قامت بأمرين:
– الأمر الأول: الهجوم الصاروخي الممنهج والمخطط وفقًا لخطة نيران علمية ذكية، وهذا يعني أنّ المقاومة لم يردعها العدو وأنّه لا يمتلك خاصية الردع في الدفاع الذي يمنع بموجبه المقاومة من استهدافه والدفاع عن نفسها.
– الأمر الثاني: أنّ المقاومة لم تكتفِ بردّة فعل ظرفية أو مرحلية لرفع العتب أو لحفظ ماء الوجه، بل طورت ردعها حتى لامست عنوان الهجوم، وهذا يعني أيضًا أنّ الخاصية الردعية للعدو في الدفاع والهجوم غير متوفرة ولم تحقّق المبتغى من ردع المقاومة من إطلاق الصواريخ ثم وضع الشروط لوقف إطلاق النار.
ويضيف العميد حطيط “على هذا الأساس ومن الناحية العلمية العسكرية نستطيع القول أنّ خاصية الردع التي كان يفاخر بها العدو الإسرائيلي لم تعد موجودة في مواجهة المقاومة، وهذا ما عناه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير، بمناسبة الذكرى السنوية للقائد المجاهد الشهيد مصطفى بدر الدين، عندما قال إنّ رئيس حكومة كيان العدو بنيامين نتنياهو أراد أن يرمّم القوة الردعية وفشِلَ في ترميمها وهذا أمر موضوعي واقع”.

4 مستويات من فشل العدو أمام وحدة فصائل المقاومة

وبحسب العميد حطيط، نستطيع القول أن العدو فشل حتى الآن في أكثر من زاوية:
– الفشل الأول في التقدير، خاصة في تقدير ردة فعل المقاومة، كان يظن أن المقاومة عندما تتلقى ضربة على رأسها في قياداتها أنها ستترنح وجلّ ما يمكن أن تقوم به رشقة أو رشقتين من الصواريخ وينتهي الأمر، لكن هذا التقدير لم يجد ترجمة على أرض الواقع والمقاومة أثبتت أنها مقاومة مؤسسة وليست مقاومة شخص، وهذه المؤسسة هي منتجة وولّادة للقيادات، ففشل العدو في هذا الأمر.

– الفشل الثاني: العدو ظنّ بأن المقاومة بعد الضربة التي وجهت لها لن تقوى على القتال لأكثر من ساعات ولن تحدثها نفسها لفرض شروط، أيضا في هذه النقطة بالذات أخطأ العدو التقدير، فتبيّن أن المقاومة حتى اللحظة شاغلت العدو أيامًا متتالية وبصليات مركزة وموفقة، وهذا فشل للعدو في التقدير وفي الاستخبارات على حد سواء.

– الفشل الثالث: فشل منظومة العدو في القبة الحديدية ولاحقًا في مقلاع داوود، الذي استخدمه للمرة الأولى في مواجهة المقاومة، كان يظن أن هذا السلاح سيجنّب الاسرائيليين ويلات الصواريخ، ويثبت قدرة “اسرائيل” على تنفيذ مقولتها “شعب يعمل تحت النار فهو آمن”، لكن هذا الأمر أيضا لم يحصل، خاصة بعد وصول صواريخ المقاومة إلى أهدافها ودكّت المباني التي يقطنها صهاينة وهذا امر مهم جدا.

– الفشل الرابع: فشل في تقدير مسرح العمليات، كان العدو يظن أن المقاومة لن تتجاوز في صواريخها الـ20 كلم في غلاف غزة، وتبيّن أن صواريخ المقاومة وصلت إلى “تل أبيب” والقدس، وهذا هزّ أركان العدو أثبت على تآكل قدرته الردعية.

المقاومة أثبتت قدرتها على العمل بنفس طويل بمواجهة العدو

ويضيف العميد حطيط “التالي في تقييمنا الحالي للمواجهة نقول، صحيح أن العدو قتل ودمّر المنازل وارتكب الجرائم ولكنه حصد فشلا (كما ذكرنا) في 4 نواحٍ”، بينما المقاومة فقد أثبتت أنها:
– تستعصي على التشتيت والتجزئة بعد أن جمعت أمرها وقرارها في غرفة العمليات المشتركة.
– قدرتها على ملء الفراغ بعد غياب القادة.
– قدرتها على استخدام الأسلحة بفعالية.
– قدرتها على العمل بالذراع الطويل والنفس الطويل، وبمدى لم يكن يتوقعه العدو.
– ظهورها برباطة جأش ثبات على الموقف وعدم الاستجابة لوقف إطلاق النار إلا وفقا لشروطها (وأهمها وقف العدو للاغتيالات)، وبالتالي في تقييم مرحلي في هذه اللحظة، نستطيع القول بأن العدو أخفق في تحقيق أهدافه رغم أنه نجح في القتل والتدمير، وأن المقاومة، رغم الخسائر التي حلّت بها، نجحت في المواجهة الدفاعية وأثبتت قدرتها على القتال في ظروف صعبة، وأنها مقاومة مؤسساتية وليست مقاومة أشخاص، فإذا غاب شخص يأتي مكانه ويتابع العمل بذات العزم والفعالية.

محور المقاومة لن يسمح باستفراد إحدى ساحاته

وتعليقًا على كلام الأمين العام لحزب الله حول عدم التردد في القيام بأي خطوة أو خطوات إن فرضت المسؤولية على المقاومة ذلك، يشير العميد حطيط إلى أن “الكل يعلم أنّ محور المقاومة التزم مبدأ وحدة الساحات وتعدد الجبهات والراية الواحدة كما ظهر اليوم في شعار احتفال الذكرى السابعة للشهيد ذو الفقار، وبالتالي وحدة الساحات ضمن الجبهات المتعددة لا تعني أنه إذا اشتعلت جبهة ستشتعل الجبهات الأخرى بنفس الوقت تزامنا معها، المعني بوحدة الساحات هو أن الساحة تتناوب في تبادل التأثير مع الساحة الأخرى، فإذا وجدت ساحة من الساحات نفسها في حالة وهن وعجز عن متابعة المهمة، فإن هناك ساحة أخرى أو جبهة أخرى ستتحرك لنجدتها لأن هناك خط أحمر تعمل به المقاومة في كل عناوينها، وهو أنه يُمنع إسقاط أي مكوّن من مكونات المقاومة، ومعنى وحدة الساحات أنه يُفعّل أو يُشَغّل من الساحات أو الجبهات ما تقتضيه المهمة”.

ويتابع قائلًا “وهنا نقول أن اليوم جبهة غزّة هي المشتعلة والمقاومة في جبهة غزّة تبلي البلاء الحسن وتظهر أنّ يدها هي العليا وتؤكد وجود اقتدار لديها لمتابعة المهمة، فإذا وصلنا إلى لحظة تحققت فيها المقاومة الإسلامية في لبنان من أنّ مقاومة غزة لم تستطع إكمال المهمة، عندئذٍ فهناك مكون أو أكثر من مكونات محور المقاومة سيتدخلون للنجدة ولتحقيق النصر، وإذا استطاع العدو الإسرائيلي من إسقاط واجتثاث المقاومة في غزة فبكل تأكيد المقاومة في جنوب لبنان لن تسكت لأنها لم ولن تنسى المقولة الشهيرة: “أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض”، وبالتالي لا يمكن للمقاومة الإسلامية أن تسمح باستفراد أحد مكوناتها في محور المقاومة”.

ويرى الخبير العسكري أن “خلفية هذه المقولة هي الإنطلاق من وحدة المبدأ ووحدة المصير ووحدة المهمة، وبالتالي إذا شاءت “إسرائيل” أن تعمل وفقًا لعقيدتها القتالية السابقة بالعمل على جبهة واحدة وتثبيت الجبهات الأخرى ثم التنقل بين الجبهات الواحدة تلو الأخرى لتفتك بهذه المقاومة وتلك، فإنّ هذا الأمر لن تسمح به المقاومة”.
ففي اللحظة التي تشعر بها المقاومة بأنّ أي مكون من مكوناتها بات عاجزًا عن أداء المهمة، فإنّ مكونًا آخر سيكون مستعدًا للدافع عن المحور والدفاع عن المبدأ وللقيام بالمهمة.

خداع نتنياهو أخفض شعبيته

ويلفت العميد حطيط إلى أنّه منذ بدء العدوان من 4 أيام وحتى اليوم نستطيع أن نقول بأنّ الرأي العام في الداخل الصهيوني تقلب في مستويات متفاوتة، ففي اليوم الأول عندما قال رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو أنّه “أجهز” على ثلاثة من قيادة حركة “الجهاد الإسلامي” ثم طوّر قوله بأنّه “قطع رأس الجهاد” في غزة، لقي هذا تفاعلًا من الرأي العام الصهيوني، خاصة وأنّه خدعه بالقول أنه انتهى من خطر “الجهاد الإسلامي” في غزة، وأن هذا سيكون مقدمة للاستقرار من فصيل مقاوم والانتهاء من آخر وهذا أمر دغدغ فيه عواطف الجمهور.
ولكن بعد أن حصل الردّ القوي من المقاومة وسقوط الإصابات بصفوف الصهاينة وطال مكوثهم في الملاجئ، تبيّن أن إدّعاء نتنياهو كاذب وأنّه خدعهم، لذلك ارتدّ قسم كبير من الرأي العام ضدّه، الأمر الذي جعله يتشدّد في التصعيد حتى يسترجع “ماء وجهه” أمام الرأي العام، ولكن على عتبة اليوم الخامس من العدوان نستطيع القول أن نتنياهو دخل دائرة الخسارة بعد أن كان متمتّعًا بموقع الرابح في العملية”، يختم العميد حطيط.