Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر March 24, 2020
A A A
«كوفيد – 19» إلى ما بعد الصيف… اعرفْ عدوّك
الكاتب: الراي

أقرّتْ بروكسيل، قلْب المجموعة الأوروبية، بأنّ حال الطوارئ ستبقى لمدة ثمانية أسابيع على الأقل، في وقت دعا المسؤولون البريطانيون كل مَن تجاوز الستين عاماً إلى البقاء في المنزل لمدة 12 أسبوعاً على الأقل، ما يدلّ على أن مستوى الذروة في انفجار فيروس كورونا المستجد، من المنتظر أن يضرب أوروبا في الأسابيع المقبلة، إذ ما يحصل الآن في بعض الدول، لم يصل إلى مستوى الانتشار الكامل.
ويقول عالم الفيروسات البلجيكي مارك فان رانست من جامعة لوفن، إن «انتشار الفيروس سيستمر لعشرة أسابيع على الأقل»، معتمداً على المعلومات التي قدّمتْها الصين ومراقبة الانتشار والانحسار لـ«كوفيد – 19»، في حال كانت المعلومات المتوافرة، دقيقة.إلا أن ما يغفله العلماء، أن الصين اتخذت تدابير قاسية جداً (منْع الخروج إلا لساعة وإقفال كل النشاطات الاقتصادية من الأسابيع الأولى)، وهي الإجراءات التي لم تتخذها أوروبا حتى في ذروة إصابتها كما هو حاصل اليوم في إيطاليا. مع الأخذ في الاعتبار أن المنطقة الصينية المصابة (مقاطعة ووهان) تحوي 11 مليون نسمة بينما يوجد في أوروبا 741 مليون نسمة في مساحة أضيق من الصين.
فإيطاليا سمحت بانتشار الفيروس عندما أعطت الوقت الكافي للسكان لمغادرة الشمال المنكوب قبل إغلاقه، وتالياً فإن المُغادِرين نشروا الفيروس في كل أنحاء إيطاليا وزوايا أوروبا والغرب كله.
وفي فرنسا، سمح الرئيس ايمانويل ماكرون بإجراء الانتخابات البلدية في عز انتشار الفيروس في إيطاليا المُلاصِقة لبلاده قبل أن يعلن في اليوم التالي مباشرةً أن «الدولة في حال حرب» مع «كورونا».
وأرادت بريطانيا أن يصاب الجميع بالفيروس للوصول إلى «مناعة طبيعية» قبل أن يدرك رئيس الوزراء بوريس جونسون حجْم أخطاء تقديراته ويتراجع عنها لكن بعدما فات الأوان وانتشر «كورونا» عشوائياً.
إلا أن بصيص أمل إحصائياً في إيطاليا يلوح في الأفق بعدما اتُخذت إجراءات قاسية عقب زيارة الوفد الطبي الصيني الذي صدمتْه التدابير الرخوة التي تتخذها البلاد، حيث ما زالت شركات تعمل وفنادق ممتلئة وسيارات ومارة في الشوارع. إذ توقّف عدد الإصابات اليومي عن الصعود بعد 12 يوماً من الانتشار السريع (من 4821 إصابة يومياً إلى 3957). إلا أن هذه الإحصاءات تحتاج لمتابعة ومقارنة مع الدول الأخرى المصابة للتأكد من انخفاض الإصابات بعد بلوغ الذروة ما يشكل بصيص نور في هذا النفق الفيروسي المظلم.

اعرفْ عدوك
لقد عرف العالم فيروسات خطيرة بدءاً من الإنفلونزا الأسبانية، التي قضت على ما بين 20 إلى 50 مليون نسمة، وفيروس ماربورغ الذي انطلق من ألمانيا، و«ايبولا» الذي أصاب 70 في المئة من السكان في السودان والكونغو، والإيدز الذي قضى على 32 مليون نسمة، وغيرها. أما فيروس كورونا المستجد (المعروف باسم SARS-COV-2 والذي عندما يصيب الإنسان يصبح Covid – 19) فهو يستهدف أكثر السكان الذين يحتكّون به ولكنه يقضي على نسبة تراوح بين واحد في المئة إلى ثلاثة في المئة فقط.
يُصارِع الأطباء للتمييز بين الإنفلونزا التي يعرفها العالم منذ عقود، و«كورونا» لأن عوارضهما متشابهة. إلا أن أطباء إيطاليا الذين يتعاملون مع الفيروس المستجدّ يومياً حددوا عوارضه، مثل الالتهاب الرئوي الذي يُحْدِثُ صعوبةَ تنفّسٍ عند المصاب، بينما نزول المخاط وألم الحلق لم تُسجَّلا إلا في حالات قليلة جداً.
وعلى المصاب – أو الذي يَعتقد أنه مُصاب – عدم التوجه إلى المستشفى أبداً، بل عليه البقاء في منزله والانتباه إلى تَدَهْوِر حالته أو تَحَسُّنها. وقد أصيب في الصين فقط 15 في المئة من الحالات بضيق تنفّس، و5 في المئة فقط أصبحت حالهم حرِجة.
ويستطيع الفيروس – حسب جريدة New England Journal Of Medicine عدد آذار/ مارس 17 الجاري – البقاء في الهواء لمدة 3 – 4 ساعات، ولأربع ساعات على سطح النحاس، و24 ساعة على الورق والكرتون، و3 أيام على الحديد والبلاستيك والألمنيوم. ومن غير المعروف تأثير الشمس والحرارة المنخفضة أو المرتفعة على بقاء الفيروس أو قتْله.
ولا ينتشر «كورونا» وحده من دون أن تكون لديه حاضنة. وفي هذه الحال يُعتبر الإنسان هو الناقل للفيروس للإنسان الآخَر. وهو ليس بكتيريا ولا يتكاثر أبداً إلا داخل جسم الإنسان عندما يصل إلى الرئة بعد أن يُنقل عبر اليد إلى العين أو الفم أو الأنف.
وتالياً يحذّر العلماء من لمْس النقاط الناقلة ويحضّون على ضرورة استخدام الصابون لإزالة «كورونا» عن اليديْن، وينصحون بغسلها بالصابون مراراً. ويجب عدم استعمال المعقّمات والمواد الكحولية لأنها تؤدي إلى نشفان اليدين بما يسمح بدخول الفيروس من خلال الثغر. وكذلك يُنصح باستخدام الخلّ الأبيض لتعقيم كل المسطحات المنزلية والمكتبية.
ويُعتبر الرذاذ المباشر من المصابين من الأخطر في نقْل الفيروس، وتالياً فإن مسافة الابتعاد من مترين إلى أربعة أمتار ضرورية جداً لخفْض الانتشار والإصابة بالعدوى.

لماذا يُطلب من الناس البقاء في المنزل؟
بسبب الحياة المدنية الحالية، ابتعد الناس عن الحياة الصحية التي عاشها الأجداد، وأصبح مستوى التلوّث ونوع الأكل مختلفاً وحرجاً. و«كورونا» يتوجّه إلى الإنسان الذي يجابهه بجهاز المناعة لقتْله. وإذا نُقل الفيروس من إنسان مصاب (من الممكن ألا يدري بإصابته لتمتّعه بجهاز مناعة جيد) قوي إلى إنسان أضعف ويتمتّع بجهاز مناعة أقلّ قوة ومقاومة، يصبح أكثرعرضة لمضاعفات الفيروس.
إن المشكلة الكامنة في أوروبا اليوم، تكمن في عدم وجود أجهزة تنفّس لتلبية حاجة المصابين وإسعاف المرضى. وتالياًـ فان نقص الأجهزة يتسبّب بقتْل المرضى، وهذا ما دفع إيطاليا لاتخاذ قرار صعب بعدم إسعاف مَن تخطى عمره الـ60 عاماً، بالإضافة إلى أن نقْص الأسرّة والطاقم الطبي، سبب آخر لازدياد عدد الوفيات لأن الأعداد عندما تأتي دفعة واحدة، يستحيل على أي مستشفى أو دولة التعامل معها كلها في وقت واحد.
إنه ليس الفيروس القاتل، بقدر ما أن كثرة أعداد المصابين في آن واحد، تمنع تلقي المُصاب العلاج الذي يحتاجه بسرعة لمنْع تفشي الفيروس إلى أجزاء أخرى من الجسد والقضاء عليه، ولهذا يجب الالتزام بالبقاء في المنزل لإعطاء فرصة للآخَرين للعيش.
وفي الختام، توجه عالم الفيروسات فان رانست، للأوروبيين، قائلاً: «لا تُخَطّطوا لعطلة الصيف لأنكم ستقضونها في المنزل».