Beirut weather 23.41 ° C
تاريخ النشر April 1, 2020
A A A
كورونا يفكك الإنسان والعالم!
الكاتب: راجح الخوري - النهار

يتم حالياً تنكيس الاعلام في إسبانيا التي يجتاحها هول كورونا، كما في إيطاليا التي تختنق وليس من اقنعة تنفس كافية، الوضع في الولايات المتحدة وخصوصاً في نيويورك يبدو أكثر سوءاً، الى درجة جعلت احدهم ينشر صورة مُتخيلة لجادة جورج الخامس وهي مغطاة بالركام والدمار وليس فيها غير مجموعة من الحيوانات المفترسة، ليس من انسان واحد في الشارع الذي كان نهراً يتدفق بالبشر، هل ساحة الفاتيكان أحسن، ماذا عن شوارع وساحات لندن وباريس؟.

هل يجوز الذهاب باكراً الى القول انه بات على هذا العالم بكل ما فيه من علوم وتقدم وإختراعات، إيضاً ان ينكس الأعلام، إستعداداً للهزيمة أمام هذا الوحش غير المرئي الذي ينشر جيوش القتل خنقاً في أرجاء المعمورة. هل لحقت الهزيمة المميتة بالبشرية في أقل من ثلاثة أشهر على بداية الجائحة من ووهان الصينية، أم ان العلم سينتصر في أي لحظة؟.

كل شيء صار فاجعاً إنسانياً حتى الآن، قبل إيجاد دواء لهذا الوحش الذي لا يتوقف. الغالب في تصريحات المسؤولين والأطباء والممرضين، هو اليأس : لا اقنعة كافية، ولا أجهزة للتنفس، لكأن هذا العالم فقد الأوكسيجين. التحدي الذي يطمح اليه إيمانويل ماكرون مثلاً ان تستطيع فرنسا إنتاج 15 مليون كمامة أسبوعياً، لكن الأهم هو قوله فعلاً : “ان العالم تغيّر منذ أسابيع، والأيام الآتية لا تشبه الماضية”.

لكن ثمة ما يدفع الى السؤال الأبوكاليبسي، هل ستكون هناك أيام آتية فعلاً، اذا لم يتمكن الأنسان من ان ينتصر مرة أخرى على الوباء، لقد قتلت الحمى الاسبانية ما بين 50 الى 100 مليون انسان، وقتل الطاعون أعداداً مماثلة، لكن البشرية لم تكن تعرف شيئاً من العلوم الطبية والأدوية والإبتكارات والمختبرات، ولا كانت سرعة الإتصال والإنتقال على ما هي عليه اليوم!

الأمر يبدو مفزعاً تماماً عندما يقول مسؤول في منظمة الصحة العالمية “ان وباء كورونا أبعد ما يكون عن الإنتهاء” في منطقة آسيا والمحيط الهادىء، وان الإجراءات الحالية لكبح جماحه تمنح فقط بعض الوقت للإستعداد لتوسع انتقال العدوى، التي بدا أنها قد تعود الى الصين، وخصوصاً عندما لا يستطيع الطب الجزم ان المصاب لا يمكن ان يعود الى الإصابة من جديد.

قبل يومين قال أنطوني فاوتشي مدير المعهد الوطني للحساسية المعدية في الولايات المتحدة من البيت الأبيض، أنه يتوقع عودة الكورونا في موجة جديدة في وقت لاحق هذا العام تحديداً في الخريف، لكن المهم ان نكون مستعدين أكثر. ويأتي هذا الكلام عندما يقول حاكم ولاية نيويورك أندرو كومو مثلاً أنهم فوجئوا ان هناك ثمة حاجة الى مليون عامل إضافي في مجال الرعاية الصحية، فماذا سيكون عليه الأمر عندما يستعرّ وباء كورونا في البلدان الفقيرة والمزدحمة؟

ربما لا تتسع المساحة هنا للحديث عن ذلك الوباء الذي يفكك الرئتين ويحدث الموت إختناقاً، بل عن منظومة العلاقات الإنسانية كلها الواقعة في التفكك، العائلات مفككة، المجتمع مفكك، علاقات الدول مفككة، الإتحادات بين الدول والمنظومات الدولية كلها تتفكك، قيم الحياة وقواعد الموت تتفكك، وحتى قواعد التشييع والعودة الى التراب تتغير … رحمتك يا الله .