Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر March 29, 2020
A A A
«كورونا».. تراجع أميركا وصعود الصين
الكاتب: القبس الكويتية

غرقت أميركا في بحر «كورونا»، بينما خرجت الصين منه سالمة، وشرعت ممارسة دور مهم في تزويد الدول الأكثر تضرراً من الفيروس بخبراتها، ما عدّه مراقبون تراجعاً لوشنطن وصعوداً لبكين على مستوى ريادة العالم.
فمع نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي، حين كانت الصين (مهد ظهور كورونا) في خضم حرب مع الفيروس، رصدت الولايات المتحدة أول حالة، وبدلاً من استغلال فارق الوقت في فهم طبيعة الفيروس والاستفادة مما حدث في الصين، واتخاذ تدابير عاجلة لاحتواء تفشي «كورونا»، حدث ما لم يكن متوقعاً، فقد تجاوزت الصين أزمتها، وبدأت مساعدة غيرها من الدول، بينما ازدادت الإصابات في أميركا بشكل سريع، لتبلغ امس اكثر من 104 الاف اصابة متجاوزة إصابات الصين البالغة 81.996، ما جعلها في المرتبة الأولى عالمياً. ومع تسجيل وفيات اكثر من 1700 شخص في أميركا انتشر الرعب في نفوس الأميركيين، وسط تساؤلات وغضب شعبي إزاء فشل الدولة في إدارة أزمة الوباء.
كثيرون يتساءلون عن أسباب هذه الزيادة المتسارعة بشكل غير متوقع للإصابات في أميركا، وفي هذا الإطار يرى خبراء الصحة العامة أن هناك عوامل عدة لذلك، أهمها:
1 – تأخير إجراء الفحوص: يرى الخبراء أن «تأخير إجراء الفحوص لعب دوراً مهماً» في تسارع الإصابات، موضحين أنه مع تسجيل ولاية نيويورك (بؤرة الوباء في الولايات المتحدة) 45 ألف إصابة، وأكثر من خمسمئة وفاة، بدا «البلد عاجزاً عن رصد الأشخاص الذين كانوا على تواصل مع المصابين بشكل فعال، لعدم توافر فحوص على نطاق واسع، لكشف الإصابات بالفيروس. ورفضت الحكومة في بادئ الأمر رفع بعض القيود للسماح للولايات بتطوير فحوصها بنفسها، ما زاد من التأخير في مواجهة الأوضاع». وتابعوا: «أرسلت أول الفحوص المتوافرة إلى مقر مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في أتلانتا. وبدورها، أرسلت مراكز مكافحة الأمراض فحوصا غير صالحة إلى الولايات، ما زاد من التأخير. ولم ترفع الحكومة القيود المفروضة إلا في 29 شباط/ فبراير، يوم حصول أول وفاة في الولايات المتحدة، وبعد أكثر من شهر على رصد أول إصابة. وبعد ذلك، انضم القطاع الخاص بدوره إلى الجهود». وأوضح غابور كيلن مدير قسم طب الطوارئ في جامعة جون هوبكينز لوكالة فرانس برس: «لو تمكنا من الوصول إلى رصد الذين تواصلوا مع الأشخاص المصابين، لكنا ربما عثرنا على المزيد من الحالات بشكل سريع، وعزلنا مواقع الانتشار الكبير».

2- غياب التحرّك الوطني: بدوره، أفاد أستاذ الصحة العامة في جامعة هارفرد توماس تساي بأن «الولايات المتحدة ليست مجموعة موحدة، فهناك خمسون ولاية مع تحركات مختلفة قررها الحكام وإدارات الصحة العامة المحلية». وأضاف: «أعتقد أن ما نحن بحاجة إليه هو مجهود وطني حقيقي بالتنسيق، فلكل ولاية سياسة خاصة، ما تسبب في انتقال العدوى من ولاية إلى أخرى»، محذراً من أن الاستمرار في «ردود متباينة» بين الولايات تستهدف حركة الأشخاص قد تجعل ولايات جديدة تشهد انتشاراً للوباء، شبيهاً بما يحصل في نيويورك. وفُرض الحجر المنزلي بعد على أكثر من %60 من الأميركيين، ما يعني أن نحو %30 من أصل تعداد إجمالي قدره 330 مليون نسمة غير خاضعين لهذا التدبير.

3 – فشل سياسة ترامب: واجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب انتقادات حادة من جهات عدة، بسبب ما قالت إنه فشل منه في إدارة أزمة «كورونا» أدى إلى زيادة الإصابات بهذا الشكل المتسارع، فمع بداية أزمة انتشار الوباء، قلل ترامب من خطورتها، عبر تأكيده – خلافاً لرأي مسؤولي الصحة – أن انتشار الفيروس محلياً «ليس أمراً محتوماً». ورأى باتريك كوبيرن الكاتب البريطاني في صحيفة «إندبندنت» أن «الفشل القيادي لترامب في أزمة كورونا أدى إلى بدء تلاشي الهيمنة الأميركية في العالم»، مردفاً: «ترامب زاد الاستقطاب داخل أميركا، وهي دولة مستقطبة أصلاً، وإنه متفوق في استغلال وتضخيم هذا الاستقطاب وعمل حلول ساذجة لأزمات متوهمة، مثل بناء الجدار الشهير ليمنع الهجرة غير النظامية عبر المكسيك، وهذا عامل مهم في ضعف أميركا، الذي سيستمر ويتفاقم ما دام ترامب في السلطة». وأشار إلى أنه «عندما يزداد انتشار الوباء سينكشف زيف تفاؤل ترامب وفشله في المعالجة الحقيقية للأزمة».
واعتبر كوبيرن أن أزمة «كورونا» على مكانة أميركا، كقوة عظمى في العالم، ستكون أشد من أزمتَي قناة السويس عام 1956 والتدخل السوفيتي في أفغانستان في الثمانينات، لأن «كل شخص على هذا الكوكب هو ضحية محتملة، ويشعر بالتهديد». وأشار إلى أن «انحدار الولايات المتحدة أصبح يُنظر إليه نظيراً لصعود الصين التي نجحت في القضاء على الوباء (الذي يصفه ترامب في تغريداته بالفيروس الصيني)، داخلها، وبدأت تمد يد العون إلى الدول الأخرى».

خطأ تاريخي كبير
في سياق متصل، انتقدت صحيفة «نيويورك تايمز» دعوة ترامب الى إعادة الحياة إلى طبيعتها في الولايات المتحدة في غضون أسبوعين ونصف، بعد إغلاق النشاطات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد بسبب «كورونا». وأوضحت أن «اقتراح ترامب – حال تنفيذه – سيكون خطأ تاريخياً، وقد يؤدي إلى انفجار العدوى بالفيروس في أرجاء الولايات المتحدة كافة، وستعجز المستشفيات عن علاج المرضى، وسترتفع أعداد الوفيات بشكل كبير». ونقلت الصحيفة عن علماء أوبئة: «رغم حماس بعض الناس الى عودة الحياة الى طبيعتها تدريجياً إلا أن هذا الأمر محفوف بالمخاطر، طالما أن الفيروس يتفشى بقوة، وطالما اننا غير محميين منه بعد بشكل جيد». وحذر عالم الأوبئة المخضرم الدكتور لاري بريليانت من أن «التاريخ لن يرحم ترامب أبداً في حال قرر فتح الأنشطة في البلاد خلال عيد الفصح».