Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر June 14, 2020
A A A
«كل يغني على ليلاه».. ما أنتجته إجتماعات الجمعة مسكنات موقتة والحلول معطلة
الكاتب: حسن سلامه - الديار

بغض النظر عن السعر الفعلي الذي وصل اليه سعر الدولار في الايام القليلة الماضية، بين من يقول إنه بقي بين خمسة وستة آلاف ليرة وبين من يتحدث عن بلوغه ارقاماً خيالية، على اعتبارلا احد في الدولة وخارجها لديه المعطيات المثبتة عن الاسعار التي وصل اليه سعر العملة الاميركية في السوق السوداء، وفي مناطق معينة، لكن التأزم الذي شهدته البلاد منتصف الاسبوع وما بعده على مستوى جنون سعر الدولار لم يأت من فراغ، سواء بقي اقل من ستة الاف ليرة ام ارتفع الى مستويات عالية البعض يقول انها لامست الثمانية الاف في بعض المناطق، بل جاء نتيجة حتمية وطبيعية للفراغ في اداء السلطات المعنية من المراجع العليا، الى الحكومة الى مصرف لبنان الى المصارف والصرافين، ومعهم تفلت كل انواع المضاربين.
فالبلاد، وفي الدرجة الاولى عن ضرورات العمل الجدي لاتخاذ اجراءات فاعلة وجدية على المستويين النقدي والمالي بما لهذين الاستحقاقين من تداعيات خطيرة على الواقع الداخلي وعلى اللبنانيين، بل بالعكس تحولت كل سلطة من السلطات المختلفة الى ما يشبه «إقطاعية» مستقلة عن الاخرى بقراراتها وتوجهاتها، وهذا الواقع لمسه المواطن اللبناني خلال الاسابيع الاخيرة في شبه القطيعة بين كل طرف من الطرفين الاخرين، اي الحكومة ومصرف لبنان والمصارف، وسلوك القوى السياسية ليس افضل من ذلك، فكل هذا الاهتراء وتناقض المصالح السياسية والحزبية وكل المعنيين بالشأنين المالي والنقدي، ويحيط بذلك وجود الحمايات للمرجعيات الدينية لكل طرف وفريق ومسؤول، افضى الى حدود الانزلاق في الفوضى وحتى الفتنة في السادس من الشهر الحالي.
لكن السؤال الذي لا أجوبة ايجابية فعلية عليه، يتمحور ما بعد التداعيات الخطيرة في الايام الاخيرة بسعر صرف الليرة اللبنانية، وما فرضته من اعادة العراك الشعبي باشكال كثيفة توسعت الى معظم المناطق، وما اذا كانت حركة الاتصالات والاجتماعات المكثفة التي حصلت بشكل خاص يوم الجمعة الماضي يمكن ان تحول دون حصول ازمات اقصى واخطر من ازمة الايام الماضية؟
اذا كان «الزلزال» النقدي الذي اصاب لبنان قبل ايام وما احدثه من مخاطر لا يمكن ان يدرك نهايتها، واضطرار اللبنانيين النزول الى الشوارع بكثافة فرض تغييراً في «اجندات» كل المعنيين والمسؤولين بعد «سبات عميق»، الا ان ما تمخضت عنه اجتماعات بعبدا والسراي وجلستي مجلس الوزراء وتعميم مصرف لبنان واعلان نقابة الصرافين عن الالتزام بما اتفق عليه في هذه الاجتماعات، حتى لو ادى لتراجع سعر الدولار الى اربعة الاف او حتى 3200 ليرة، رغم كل الشكوك من جانبه بترجمة هذه الوعود، فان كل ما اتفق عليه من حلول موقتة ليس اكثر من تخدير موقت وبالاحرى كالذي يعالج من اصابه مرض خبيث «بحبات اسبرين»، حتى اذا ما وجدت الوعود طريقها للتطبيق، وهذه النتيجة والخطر من تكرار الازمة الاخيرة بطريقة اكثر مأساوية يعيدها وزير سابق الى التالي:
ـ اولا: ان التوافقات والوعود الجزئية والموقتة التي افضت اليها سلسلة الاتصالات والاجتماعات التي حصلت يوم الجمعة الماضي، ما كانت لتحصل لو لم يحصل ارتفاع دراماتيكي في سعر الدولار في وقت كانت كل الطبقة السياسية «بأمها وابيها» صامتة ومتواطئة عن الارتفاعات المستمرة لسعر العملة الاميركية، لاعتقاد هذه الطبقة أن المواطن اللبناني «سيبلع» ويسكت عن استمرار ارتفاع سعر الدولار بصورة تدريجية، لكن مع استشعار هذه الطبقة بالخطر على مصالحها بعد الارتفاع الخيالي باسعار العملات الصعبة والنزول الكثيف للبنانيين الى الشارع اضطرت هذه الطبقة لاتخاذ هذه الاجراءات الشكلية، حتى لو كان في الحكومة وخارجها من يرفض هذا الستاتيكو.
بل ان المخارج الجزئية للحد من ارتفاع الدولار ما كنت لتتم لولا دور الاطفائي الذي قام به اللواء عباس ابراهيم بين كل من رئيس الحكومة وحاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف، بعد ان تحولت الدولة بكل مراجعها السياسية والدينية واحزابها وطوائفها ومؤسساتها، تسير في احسن الاحوال على طريقة «كل يغني على ليلاه» بينما في واقع الحال الهمّ الاول والاخير لهؤلاء تبقى المصالح الخاصة والمذهبية.
ثانياً: ان هذا الاجراءات الجزئية غير قابلة للاستمرار، اذا لم تتواكب مع اجراءات مشددة تضبط السوق النقدية، وخطوات مالية تؤدي الى ضخ مبالغ مقبولة من العملة الصعبة عبر اعادة الاموال المهربة الى الخارج او جزء منها، بالتوازي مع اطلاق خطة الاصلاح المالية والادارية بدءا من محاسبة الفاسدين واسترداد المال المنهوب، ومن غير ذلك فالاجراءات الاخيرة لن تعيش اكثر من ايام او اسابيع قليلة في وقت ان ما يملكه مصرف لبنان من احتياط بالعملة الصعبة يستحيل معه، حتى تزويد الصرافين من الفئة «أ» بالكميات التي يطلبونها، وفق مضمون تعميم مصرف لبنان.
ثالثاً: منذ انطلاق عملها لا تزال حكومة الرئيس حسان دياب عاجزة باطرافها السياسية عن اتخاذ قرار بالتنسيق مع سوريا، لما تمثله سوريا من شريان حيوي اقتصادي للبنان والاخطر ان الحكومة لم تقم بأي خطوة لمواجهة تداعيات «قانون قيصر» الاميركي الذي يستهدف الى جانب محاصرة سوريا، بث الفوضى والانهيار في لبنان، وحتى لا خطوات جدية لكي تفرض على واشنطن استثناء لبنان من هذه العقوبات.
رابعاً: حصر خيارات الحكومة بالتوجه نحو المجتمع الدولي بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي على طريقة «يا طالب الدبس من ذنب النمس» مع علم وادراك كل المسؤولين بصعوبة الخضوع لشروط الصندوق، بينما لا تزال الحكومة ومن يغطيها، اما «غافلون» أو خائفون او لا يريدون التوجه شرقاً، وخاصة باتجاه الصين وروسيا، ولو في الحدود المعقولة لمساعدة لبنان في تخفيف وطأة ازمات كبيرة من الفيول، الى الكهرباء ومسائل اخرى، لما لذلك من نتائج ايجابية كبيرة من حيث تخفيض الانفاق الضخم على الفيول والكهرباء والكاز.
واما ما حصل من وعود ملغومة وما سبقها واستتبعها ولا زال من «زغل» ومحاولات كل طرف رمي «كرة النار» في ملعب الفريق الآخر، لن يكون اكثر من «نار تحت الرماد» ستعود للاشتعال في أي لحظة، حتى ولو تراجع سعر الدولار الى حدود الـ3500 ليرة، مع ان هذه الوعد اشبه «بوعد ابليس بالجنة».