Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر September 13, 2016
A A A
“كل واحد صليبو على قدّو”… ما هي رواية “عيد الصليب”؟
الكاتب: موقع المرده

“كل واحد صليبو على قدّو” أو “شو صليبو كبير”، عبارات يستعملها الكثير من الافراد للدلالة على مدى معاناة شخص معين جراء تعرضه لمصاب أليم، ان كان مرض، او موت ام تعامل مع حالات خاصة، اذ تصبح حياته اشبه بجحيم مستمر ومثقلة بالاوجاع، ويُفرض عليه واقعاً يُجبر على التأقلم معه لاكمال مسيرته وسط غياب تام لحياة طبيعية أسوة بغيره، هنا يتعاطف معه افراد مجتمعه الذي يجهل المشاعر التي تراوده عندما يضع رأسَه على الوسادة في ليله الدامس، ويتعذّر عليه تقدير ما يَجول في باله كلما ترددت هذه الأقاويل المقرونة بكلمة “الصليب” أي العذاب.

وفي 14 أيلول من كل عام يمتزج نسيم نهاية الصيف مع نيران يشعلها الاطفال والكبار احتفالاً بـ “عيد الصليب”، ويعود اضرامها الى الامل الذي يتمثل بالالتفاف حولها وسط فرح بالمسيح المخلّص الذي أحرق خطايا البشر بموته على الخشبة، كذلك يوجد تقليد يتحدث عن قدّيسة تدعى هيلانة أرادت إخبار ابنِها الإمبراطور قسطنطين بأنّها وجَدت الصليب، فوضعت جنوداً لكي يُعلموه بالحدث السعيد، عن طريق إشعال النار فوق رؤوس الجبال وهكذا أضاءت المدينة كلها بوميض الشعلات ساعة إيجادها لعود الصليب. اما رواية “العيد” تعود وفقاً للدين المسيحي الى انه وبعد صلب المسيح وقيامته قام البعض من اليهود المتعصبين بردم قبر المخلص ودفن الصليب المقدس وصليبَي اللصَّين الآخرين اللذين كانا معه، لإخفاء معالمه، نظراَ للمعجزات التي كانت تحدث بجوار القبر المقدس، فاختفى أثره منذ ذاك الوقت ولمدة تناهز ثلاثة قرون من الزمن. وفي مطلع القرن الرابع الميلادي أراد قسطنطين الكبير أن يأخذ روما ويصبح إمبراطورَ الغرب، فشنّ معركة ضد عدوه “ماكسينـتيوس” على مشارف المدينة بالقرب من نهر “التايبر”، وفي الليلة التي سبقت المعركة ظهر الصليب في السماء محاطاً بالنور وكانت أم قسطنطين الملكة هيلانة مسيحية، لذا كان لدى ابنها مودّة تجاه المسيحية، فجعل راية الصليب تخفق على كل راية وعلَم، وخاض المعركة وانتصر على عدوِّه. وعندما أصبح إمبراطوراً على أوروبا خلص الكنيسة من ظلمة “الدياميس”، وأمر بهدم معابد الأصنام وشيَّد مكانها الكنائس المقدسـة. بعدها نذرت أمّه القديسة هيلانة أنْ تذهب إلى أورشليم لنيل بركة الأراضي المقدسة، بالقرب من جبل الجلجلة، ولما وصلت ومعها عسكر لم يدلها احد على مكان الصليب فأخذت شيخاً من اليهود وضيقت عليه بالجوع والعطش حتى اضطر إلى اعلامها بالمكان الذي يحتمل وجود الصليب فيه بكيمان الجلجثة، وتم العثور على 3 صلبان خشبية، ولما لم يستطيعوا تمييز صليب الرب، اقترح القديس كيرلِّس بطريرك أورشليم بأن يختبروا فاعلية الصليب ولأجل ذلك أحضروا ميتاً ووضَعوا عليه أحد الصلبان فلم يحدث شيء، وضعوا الثاني ولم يحدث شيء أيضا، وعندما وضعوا الصليب الأخير قام الميت ومجَّد اللـه ، وبذلك توصَّلوا إلى معرفة الصليب الحقيقي للسيد المسيح. وبالاضافة الى النار يتناول المؤمنين في هذه المناسبة حبات الرمّان، التي ترمز الى الكنيسة الواحدة التي تجمع حبات من البشر مع بعضهم البعض تحت سقف واحد”.

كما ان عذاب السيد المسيح على الصليب من اجل خلاص البشرية حوّل هذه الخشبة الى اداة مغفرة بدلاً من العار، اذا كان يستخدَمها الرومان سابقاً كمشنقة أو كرسيَّ إعدام لتعذيب كل من يعارض سلتطهم الاستبدادية، فاقترنت الكلمة بالمعنى الحقيقي للعذاب. أما رسم اشارة الصليب على وجه المؤمنيين قبل بدء الصلاة، يعتبر أول حركة ايمانية تعلمها المسيحيون وترافقهم خلال كلّ صلاة رسمية أو شخصية في الكنيسة، ولهذه الحركة رمزية كبيرة خاصةً عندما تترافق بكلمات: “باسم الآب والابن والروح القدس”، وترقى قصة “الاشارة” الى فترة بعيدة قد تتزامن مع فترة انطلاقة الكنيسة الرسولية التي بدأت بهيكلة ايمانها عن طريق حركات وكلمات مشتركة، حيث لم تكن الرموز بداية علنية، الى ان أصدِر مرسوم ميلانو، وتمَّ الاعتراف رسمياً بالدين المسيحي، وأقِرّت الحريات الدينية، وترسم اولاً على الرأس الذي يرمز الى السماء، ونزول الابن هو التجسّد، والجهة اليمنى جلس عن يمين الآب، واليسرى هي شمول الكون كلّه، ولاستخدام هذه الاشارة عمق شخصي وعميق حيث يُشَبه التزام المسيحي بالمعمودية بقسم جنود الإمبراطورية: “إن انطلقنا في الطريق، إن دخلنا أو خرجنا، إن لبسنا أو اغتسلنا أو ذهبنا الى المائدة أو السرير أو إن جلسنا، نرسم في مستهل كلّ هذه الأعمال اشارة الصليب على جبيننا.”
اذا لـ “عيد الصليب” الذي يرمز لموعد اكتشاف خشبة الصليب بعد اخفائها ارضاءاً للشر المسيطر على اليهود آنذاك، محطة خاصة في حياة المسيحيين الذين يحتفلون في مختلف اصقاع الارض بهذه المناسبة السعيدة وبتقاليد مختلفة، طالبين السلام والرجاء والخلاص للعالم اجمع من مخاطر حروب هجرت ودمرت وأضاعت جيلاً بأكمله.