Beirut weather 22.99 ° C
تاريخ النشر March 1, 2020
A A A
كل المعالجات دون استعادة المال المنهوب والمهرب لا يتعدى مسكنات ظرفية للازمة
الكاتب: حسن سلامه - الديار

فيما البلاد تقف على حافة الافلاس الشامل وتبلغ قضايا الاستثمارات والتحويلات المالية حدود الصفر، فالوعود والبيانات والمواقف باطلاق ورشة العلاجات لا تزال حبراً على ورق، بينما يتواصل كل الاطراف السياسية التي تتمثل بكتل نيابية باعداد مختلفة تعيش في عالم اخر، وكأن الوضع الداخلي لا زال يحتمل المزيد من اضاعة الوقت والتلهي بتحذيرات واعتراضات ومناكفات من هنا، وخطط وتوجهات لا تختلف كثيراً عن السياسات السابقة التي افضت للانهيار وافقار اللبنانيين.

واذا كانت طبيعة المعالجات بحسب خبير اقتصادي – مالي تفترض معالجات تطال كل الشأن العام بدءا من احداث تغيير بنيوي في عمل مؤسسات الدولة بسياساتها المالية والاقتصادية والسياسية، فالخطوة الاولى والاكثر الحاحاً التي لا بد منها تتمثل باجراءات حاسمة لحلحلة الازمة النقدية، اولاً ويليها اجراءات على صعيد القطاع المصرفي من خلال الغاء قانون السرية المصرفية، بعد ان سقطت كل موجبات الحاجة لاقرار هذا القانون عام 1956 من جهة وضرورات تسهيل التحقيقات التي يفترض ان تطلقها الجهات القضائية المختصة بعد اجراءات سلسلة المناقلات القضائية، واقرار قانون في مجلس النواب يتيح الاستقلالية الكاملة للقضاء للسير في كشف كل ما حصل خلال العهود والحكومات السابقة من فساد وهدر للمال العام من جهة ثانية، ولذلك يشير الخبير المالي – الاقتصادي الى انه في عام 1956، اقر مجلس النواب في حينه قانون السرية المصرفية الذي يخضع لسر مهنة المصارف في لبنان على شكل تحركات مغفلة. وبالتالي منع انشاء قيود المودعين وحساباتهم وكذلك سمح للمصارف فتح حسابات رقمية لا تعلن هوية صاحب الحساب المرقم الا باذنه الخطي وورثته، وكانت موجبات اعداد هذا القانون في تلك الفترة لتسهيل جذب رؤوس الاموال والودائع وتوفير مناخ الاستقرار الاقتصادي، وكان لهذا القانون خلال الحقبات الماضية دوراً ايجابياً كبيراً في جذب اعداد كبيرة من اصحاب رؤوس الاموال والمستثمرين من دول عديدة في العالم، خاصة من الدول الخليجية، ما اتاح في مرحلة ما قبل الحرب الاهلية بلوغ لبنان مرحلة عالية من البحبوحة حتى اصبح في تلك الفترة يسمى سويسرا الشرق، رغم كل التشوهات في النظام اللبناني انذاك، وانحصار القرارات في جهة واحدة.

اما اليوم وفي ظل تفاقم الانهيار المالي والاقتصادي، وما تفترضه المعالجات من اجراءات وقرارات ملحة وضرورية، فقد سقطت موجبات ابقاء قانون السرية المصرفية بكامله، واذا استحال هذا التوجه فعلى الاقل الاخذ باقتراح القانون الموقع من عشرة نواب ينتمون «لتكتل لبنان القوي» والذي يطلب رفع السرية المصرفية للذين يتولون ادارة الشأن العام الان من شأن ذلك تبيان «الخيط الابيض من الخيط الاسود» حول كل روائح الفساد والهدر والصفقات واستغلال موقع المسؤولية للاستفادة الشخصية وجني الثروات وبالتالي يؤكد الخبير الاقتصادي – المالي ان موجبات الغاء قانون السرية المصرفية بكامله باتت ملحة، نظراً لجملة موجبات كانت مبررة في قانون السرية المصرفية لكنها سقطت اليوم ولان اي فعل مطلوب لمحاسبة الفاسدين واستعادة المال المنهوب يستدعي الغاء القانون، وابرز هذه الموجبات والاسباب هي الاتي:

1- ان حصر التعديل بالذين يتولون الشأن العام بحسب اقتراح تكتل لبنان القوي واختصار الامر على بعض التعديلات الاكثر حصراً التي تناقشها لجنة العدل النيابية لا يتيح للقضاء التوسع في لوائح الحسابات لمعرفة الذين جنوا ثروات بطرق غير شرعية، او حتى بطرق مقوننة لكن وفق قرارات استنسابية، فالذين جمعوا ثروات على حساب المال العام وحياة اللبنانيين ليسوا محصورين بالذين تولوا مناصب عامة، بل ان الذين استفادوا من المال العام فئات واسعة لا تنحصر بجهة محددة، ومن هؤلاء على سبيل المثال، استحصلوا على صفقات مشبوهة من المال العام والذين بنوا ثروات بالتهريب الجمركي والضريبي، والجمعيات الوهمية وغيرها، وضع اليد على املاك الدولة البحرية والبرية والنهرية، الكسارات والمرامل، بناء الثروات، من الفوائد العالية التي استفاد منها اصحاب رؤوس الاموال الكبيرة وكشف الذين هربوا اموالهم الى الخارج، وابواب اخرى عديدة.

2- ان الموجبات التي استدعت، اقرار القانون عام 1956 بهدف جذب رؤوس الاموال والمستثمرين، باتت من الماضي بعد ان سقطت الثقة الدولية بلبنان ومعه الهيئات المالية والمصرفية ما ادى الى تمنع رؤوس الاموال والمستثمرين من الاستثمار في لبنان، وبالتالي اصبح بحاجة اليوم الى توجهات مختلفة للانقاذ تقوم على ركيزتي تنشيط والصناعة والزراعة.

3- ان اي جدية في اظهار وتبيان كل الذين جنوا ثروات بطرق غير شرعية وما شابه، لا تستقيم ولا تستهدف عملياً كشف عورات المراحل السابقة، دون تمكن اي جهة، بدءاً من القضاء الى هيئات المجتمع المدني، الى نقابة المحامين وكل اعضائها واي معني يريد الاطلاع على حسابات من يشتبه بتورطه في الفساد دون الغاء قانون السرية المصرفية، ومن دون ذلك فاي جهد للمحاسبة واستعادة المال المنهوب لن يتعدى اضاعة الوقت، وفي الحد الاقصى حصر المحاسبة بأعداد قليلة وتقديم «كبش محرقة» عن نهب عشرات مليارات الدولارات واما اذا انحصر رفع الحصانات بقيود مشددة، هي حال المناقشات في لجنة العدل النيابية.

4- ان كل الجهات الخارجية الراغبة بدعم لبنان او حتى تلك التي تتحدث عن وعود مبهمة، تربط اي مساعدات او حتى تقديم قروض للبنان بعملية اصلاحية شاملة، ما يعني ان اي اصلاح دون كشف الفاسدين ومحاسبتهم واستعادة المال المنهوب لن يكتب له النجاح، نظراً للترابط الكبير بين الاصلاح لواقع الفلتان والاهتراء في كل قضايا الشأن العام ومعها مؤسسات الدولة واداراتها، وبين اظهار الحقائق عن كل ما حصل في العهود والحكومات السابقة.

5- ان جدية المحاسبة اولاً واستعادة المال المنهوب ثانياً، ستسقط مع اي هفوة من هنا، او خطأ من هناك، نظراً للتعقيدات الطائفية والسياسية التي تتداخل مع اي فعل حقيقي للمحاسبة، في ظل الحصانات الطائفية، والسياسية، التي تمنع حلول اي محاسبة، على اقرار ما حصل في اكثر من تجربة سابقة، وما جرى العام الماضي عندما جرى فتح مخالفات رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة دليل فاضح على ذلك، حيث تحولت المسألة، وكأنها تستهدف طائفة وفئة سياسية معينة، ولذلك فأي محاسبة لا تكون شاملة، ولا تتيح المجال لاي استغلال سياسي او طائفي ستسقط من اول الطريق، خصوصاً ان الفساد والافساد والذين جنوا ثروات بطرق غير شاملة ليسوا محصورين لجهة سياسية او فئة مذهبية، بل هم عابرون لكل القوى السياسية والطائفية وبالتالي يفترض ان تكون المحاسبة شاملة.