Beirut weather 12.99 ° C
تاريخ النشر September 20, 2025
A A A
كلمة وفاء من الفؤاد إلى فؤاد
الكاتب: محمد رعد

كتب محمد رعد في “الأخبار”:

قد يكون محمد رعد، أكثر شخصيات حزب الله محبة عند المحازبين والأنصار. قد لا يجرؤ الكثيرون على مقارنته بالآخرين، وخصوصاً بالشهيد السيد حسن نصرالله، لكنّ «أبا حسن»، هو واحد من الذين عبروا طرقات الحزب كافة. فاعلاً ومقاتلاً ومساهماً ومشاركاً في صياغة القرار أو الفعل. وهي رحلة، منحته، فرصة التواصل مع الجميع، مع حرص زائد عن اللزوم، بالمدارة، ليس لنقص في القدرة على المواجهة، لكن لوعيه بدوره الذي اختاره لنفسه، وهو ما قد يجعله الوحيد خارج الخصومات، في بيئة تجاوزت من وقت طويل حالة الحزب أو التيار، لتصير حالة أقرب إلى مجتمع.

لمحمد رعد صفات كثيرة: المتفكر في أمور الدين والعقائد، الذوّاق في عالم الثقافة، المناضل والسياسي والقيادي والمشارك في دائرة القرار الأصغر. لكن لديه صفات إنسانية، وسلوكية، أبقته طوال الوقت قرب القواعد من المجاهدين والحزبيين والأنصار والناس العاديين. وفي لحظة واحدة، جاء استشهاد نجله سراج، لتدفعه مرة واحدة إلى الصفوف الأمامية في مجتمع عائلات الشهداء، وهو الذي كان حاضراً بينهم على الدوام، لكنّ مقعده صار يخصّه كواحد منهم، ولم يعفه ذلك، من مهمة شد الأزر، والمواساة، والدفع نحو الأفضل.

لذلك، صار «أبو حسن»، وجهة من يريد الاقتراب من لحظة الحقيقة الخالية من كل إضافات. وعندما يتحدث عن أمور المقاومة، لا تمنعه حواسه من الانفعال حيث يجب، ولا ضغينة في قلبه تدفعه نحو الانفعال والصراخ. وفيه الرجل الذي يُنظر إليه بحذر، خشية أن يكون في فمه قولٌ أشد قتلاً من السيف، بينما، يقترب منه أبناء الشهداء، واحد يملك حضناً واسعاً، يتسع لأكثر مما يظن كثيرون… في مناسبة هذا الإصدار، كتب محمد رعد عن رفيقيه الشهيدين فؤاد شكر وإبراهيم عقيل. وكتب بما يقدر أن يكتبه في لحظة كهذه، لكن في زوّادته الكثير ليُقال متى حان وقت القول.

كثيرون ممّن تعرفوا إليه وعرفوا فنون جهاده سيتحدثون ويكتبون عن ذاك القائد البطل الذي ملأ صفحات عمره بصور وحكايات تترجم معاني الجرأة والإقدام والاستعداد الدائم والجهوزية اليقظة، وعدم التردد في مباشرة المخاطر استناداً إلى ثقة عارمة في النفس وبالقدرة على تحدي المستحيل…

لكنّ حسبي في هذه الكلمات أن يعرف المهتمون بشخصية القائد الجهادي الكبير السيد فؤاد علي شكر (السيد محسن) أن كل المعاني البطولية الآنفة وغيرها… كانت وليدة إيمان صادق بالله عز وجل وبكتبه ورسله وأوليائه الذين لهم الفضل في تعريفه الصراط المستقيم الذي ينضبط في جادة السير فيه، الفكر والإحساس والسلوك وتنمو في أفئدة السالكين فيه كل متطلبات الاستقامة والنبل والطهر الإنساني، فضلاً عن الثقة بالنفس وبُعد النظر ونمو القدرة على تحدي الصعاب والعراقيل…

وحين ينشأ الإنسان على حب الإيمان والإنسان والوطن، وتعتمر في نفسه مكارم الأخلاق من نصرة الحق وعشق العدل والحرية وبغض الشر وأهله وأتباعه والنقمة على الفساد وجماعته والتوثّب لإغاثة الملهوف ومساعدة المظلوم ومناهضة العدوان وما إلى ذلك، فإنه يقدم في سلوكه نموذجاً رسالياً متواصلاً مع من سبقه في التاريخ البشري على هذه المنهجية التي رسمها الله عز وجل لعباده وبلغها إليهم عبر سلوك ومسارات الأنبياء والأولياء.

الشهيد القائد فؤاد شكر هو ابن هذه المنهجية التي قرر منذ سن تكليفه الشرعية أن يلتزم بها وبضوابطها… ووطّن نفسه وحياته لتنطبع بمضمونها وتوجيهاتها…

ولقد نجح وفاز وعرج إلى الله في ختام عمره شهيداً وقائداً ملتزماً… وتقلّد الوسام الذي كان يطمح إلى تقلّده ويبكي خوفاً من حرمانه منه…

فؤاد شكر أيها الأعزاء لو لم يكن مؤمناً رسالياً لما كان فارساً… ولو لم يكن فارساً لكان مجرد قوي لا يعرف معنى للشهامة وللشرف وللإباء والعنفوان والتواضع والتضحية ..القوة والشجاعة وحدهما لا تطلقان هذه الصفات النبيلة ..التدين هو الذي يجعل القوة مكرّمة حين يمزجها بالإيمان وحب القيم والإنسان… ولولا هذا المزج لغدا الأقوياء مجرمين وقتلة وغزاة للأوطان، وهذا هو الفرق الذي تظهره المقاومة وتتمايز فيه برجالها ونهجها عن رجالات العدو وإجرامه.

فؤاد شكر كان بطلاً مقداماً لا يعرف الخوف وفي الوقت نفسه كان إنساناً حنوناً يعطف على الضعفاء والمساكين والفقراء ومن لا معيل لهم ولا معين؟

وخلال مسار نموه الرسالي… كان يستشعر مواطن النقص فيسعى إلى أن يردمها وأن يصلح أمرها، كان يُصغي بتحفّز ويتوثّب دائماً لطرح وجهة نظره، وحين يستشعر سطوة حضوره في بعض اللقاءات يهدأ ويعتذر… فقد كان يعلم أن فوق كل ذي علم عليم…

كان شجاعاً محباً للشجعان وعاشقاً لسيدهم الأمين العام، ودائماً ما عايش الاستشهاديين وحنّ إليهم واشتاق لهم وتفقّد وأصلح أحوال عائلاتهم، وأسقط مهابته حناناً لأبنائهم وبناتهم…

هنيئاً له ما قدم… ونعم عقبى الدار.