Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر May 3, 2018
A A A
“كسر عظم” في طرابلس: معركة تحديد الأوزان السنية
الكاتب: سابين عويس - النهار

على أهمية بيروت في المعركة الانتخابية انطلاقا من موقعها المركزي في المعادلة كعاصمة للقرار السياسي، فإن لعاصمة الشمال طرابلس التي كانت على مدى الايام القليلة الماضية محط اهتمام ومتابعة، رمزيتها لما حمل المشهد الانتخابي فيها من رسائل توزعت في اتجاهات متعددة واصابت مضامينها القواعد الانتخابية، كما الزعامات السياسية.

على مسافة ايام قليلة من موعد الاستحقاق الانتخابي الاحد المقبل، بدت عاصمة الشمال صندوقة بريد مستعجل، جعلت منها ام المعارك على مستوى الطائفة السنية اولا ورئاسة الحكومة في الدرجة الثانية.

صحيح ان التسوية السياسية التي مشى بها رئيس الحكومة سعد الحريري وقادته الى الرئاسة الثالثة، لا تزال صالحة ولم تضرب أسسها المعركة الانتخابية، بحيث لا يألو الحريري جهدا او مناسبة إلا يذكّر بالاسباب والخلفيات التي دفعته الى السير بذلك الخيار، وآخرها ما قاله قبل يومين عن أن البديل كان الحرب الاهلية، فإن الاكيد أن موجبات تلك التسوية لا تزال قائمة في ظل وجود رئيس الجمهورية على رأس العهد، وستنسحب على مرحلة ما بعد الانتخابات التي يترقب عون ان تنبثق منها حكومة العهد الاولى. وكما قضت التسوية بقانون انتخاب نسبي يثبت رئاسة المجلس على حالها، أي للرئيس نبيه بري، فهي ستنحسب كذلك على الحريري الذي أكد بري في اكثر من مناسبة ان كتلته ستسميه لرئاسة الحكومة.

وفي مثل هذه الحال، ربّ سائل عن المعطى الجديد الذي ستضفيه معركة طرابلس، ما دامت الامور تبدو شبه محسومة. والجواب على لسان المراقبين لمجرى المعركة الانتخابية يتمثل في اكثر من اتجاه:

– كما ان الانتخابات لن تنجح في تغيير المشهد السياسي في البلاد، فهي ستعيد إنتاج الطبقة السياسية عينها وفقا لأحجام وأوزان مختلفة. وانطلاقا من هذه المعادلة، تشكل طرابلس مركز ثقل سني واضح ليس فقط بفعل المخزون الشعبي الكبير الفائض من مناطق عكار والمنية والضنيه، وانما ايضا على المستوى القيادي حيث تبرز المنافسة على اشدها بين زعيم الطائفة و”ولي الدم”- كما يسميه حريريو الشمال- سعد الحريري، والرئيس نجيب ميقاتي واللواء اشرف ريفي.

وإذا كانت الايام الشمالية الاربعة التي امضاها الحريري متنقلا بين بلدات وقرى شمالية اتسمت باحتضان وتعاطف لافتين، خصوصا ان الجولة تأتي بعد فترة من الغياب عن المنطقة، بحيث بدت في جانب منها بمثابة استدراك لذلك الغياب، فهي لم تنجح في حسم ميزان السباق الانتخابي في الدوائر التي شملتها، ولم تغير في تقديرات الماكينات الانتخابية وفق ما بلغ “النهار” من تلك الماكينات. بل على العكس، رأت اوساط بعض هذه الماكينات ان مهرجان “تيار العزم” الذي يرأسه الرئيس نجيب ميقاتي شهد ردة فعل ليس من القواعد الشعبية لهذا التيار بل لدى رئيسه تحديدا الذي حرص على توجيه رسالة مزدوجة من خلال خطاب عالي النبرة رفع فيه السقف السياسي الهجومي الى أقصى مستوياته.

– حرص ميقاتي على ما يقول القريبون منه، على التأكيد اولا من خلال مهرجانه المركزي ان قاعدته الجماهيرية لم تتأثر.

– وجّه رسالة بالغة الدلالة والوضوح الى الحريري مفادها ان زمن الماضي ولى، وانتهى زمن المسايرة وتدوير الزويا، وان الساحة الطرابلسية لم تكن متروكة ولم يعد ثمة مجال للمهادنة. وهذا الموقف يترك الانطباع لدى الاوساط المراقبة ان المعركة، وان لم تكن على الزعامة السنية، لكنها ستكون على كسر الحصرية الحريرية. وما معركة طرابلس الا معركة تحديد الاحجام والاوزان وتثبيت الحضور السياسي.

ولكن أيا تكن الرسائل السنية المتبادلة، فإن الكلمة الفصل ستكون في صناديق الاقتراع التي ستعكس واقعا مسار المعركة، علما ان كل الاحصاءات تشير حتى الآن الى أن كل فريق بات يدرك حواصله الانتخابية التي ستتوزع على اللوائح الاربع المتنافسة (المستقبل، ميقاتي، ريفي، كرامي)، والتي سيغرف كل فريق منها ما يكفي ليضع مكانة الحريري شمالا في موضع الاستفهام.