Beirut weather 13.41 ° C
تاريخ النشر August 19, 2020
A A A
كباش داخلي حول شكلها.. وفيتوات خارجية على من سيتولى رئاستها
الكاتب: حسين زلغوط - اللواء

تسعة أيام مرّت على استقالة الحكومة وإلى الآن «لا حس ولا خبر» عن الاستشارات النيابية التي يفترض برئيس الجمهورية الدعوة إليها لتسمية اسم من سيؤلف الحكومة الجديدة، من دون الإعلان عن الأسباب الكامنة وراء هذا التأخير. وقد نصت المادة 53 من الدستور في فقرتها الثانية «يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها». وعلى الرغم من ان الدستور اللبناني لم يقيد رئيس الجمهورية بمهلة من أجل البدء بهذه الاستشارات الا انه لا يجوز ان تتخطى هذه المدة عن المدة المعقولة.
فكما هو معلوم لو ان الوضع السياسي مستقر، واحوال لبنان في أحسن حال، لكانت هذه الاستشارات قد تحدد موعدها ربما بعد ساعات قليلة على استقالة الحكومة، اما والوضع اللبناني بهذا السوء على كافة المستويات، يبقى موعد الاستشارات عُرضة للقال والقيل وتعتريه الكثير من الاجتهادات والتفسيرات.
كثر من المطلعين على الوضع اللبناني خصوصاً في الداخل توقعوا ان تكون هناك حكومة جديدة قبل نهاية هذا الشهر بحيث يزور الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون لبنان في الأوّل من أيلول للمشاركة في احتفالية مئوية لبنان الكبير ويكون في لبنان حكومة جديدة، غير ان هذه التوقعات قد خابت فيما يبدو، حيث ان لا معطيات داخلية أو خارجية في الأفق توحي بأن ولادة الحكومة الجديدة ستكون مُيسّرة، لا بل ان هناك من بدأ يعرب عن خشيته من ان يكون عمر حكومة تصريف الأعمال طويلاً، وربما يكون أشهراً في ظل المخاض العسير الذي يعيشه لبنان ومعه المنطقة بكاملها.
ليس خافياً ان هذا التأخير في تأليف الحكومة ناجم عن انقسام عامودي في السياسة الداخلية في الدرجة الأولى، وعن فيتوات خارجية بدأت تطفو على السطح من جهة ثانية، حيث ان المؤشرات المتوافرة إلى الآن تؤكد صعوبة اتفاق القوى السياسية على شكل الحكومة أولاً، وعلى تركيبتها ثانياً، كما انها تؤكد على ان الطريق الإقليمي والدولي غير سالكة لتشكيل حكومة جديدة حيث ان عوامل خارجية متشعبة تعيق عملية الولادة، فالفرنسي يريد شيئا والاميركي يريد شيئا آخر، والتركي يريد دوراً وكذلك الايراني وهكذا دواليك، وهو ما يُشير إلى ان العامل الخارجي له تأثير مباشر على تأليف الحكومة ربما يكون أكثر واقوى من العامل الداخلي، وهذا يوحي بأن عملية التأليف ستدور في حلقة مفرغة لمدة طويلة.
وإذ تبرر مصادر سياسية مطلعة عدم لجوء رئيس الجمهورية إلى الآن لتحديد موعد الاستشارات والولوج في عملية تأليف الحكومة لشعور الرئيس عون بوجود آراء سياسية متباعدة بشكل يعيق إلى حدّ ما التفاهم على اسم من سيؤلف الحكومة العتيدة، وان رئيس الجمهورية أجرى أكثر من اتصال بالرئيس نبيه برّي للتشاور في هذا الموضوع، فإن مصادر سياسية أخرى ترى وجوب الدعوة إلى هذه الاستشارات ولتأخذ العملية الديمقراطية مداها، مشددين على ان الانقسام الحاصل في الرأي بين القوى السياسية لن يتبدد بسهولة، وان هذه الحجة للتأخير غير مقنعة، وهذا الفريق ينحاز بشكل قوي إلى المجيء بحكومة حيادية بعد ان أثبتت حكومات الوحدة الوطنية على مدى ازمنة عابرة فشلها في خوض عملية إنقاذية للبلد.
وبين هذا وذاك فريق ثالث لا يرى وجود ضرر في التأني في تحديد موعد للاستشارات النيابية ريثما تنجلي الأمور الداخلية والخارجية بعض الشيء، حيث ان المناخات الموجودة خصوصاً بعد الزلزال الكبير الذي ضرب لبنان ونجم عن انفجار المرفأ لا تشجّع على الخوض في غمار تأليف حكومة تكون قادرة على التعامل مع المرحلة الراهنة بما يُساعد لبنان على الخروج من أزماته المتشعبة، سياسياً واقتصادياً ومالياً واجتماعياً وكذلك فإنه من الممكن الانتظار بعض الوقت لاقتناص الفرصة المؤاتية لنقل لبنان من حالة التوترات والاحتقان إلى حالة الاستقرار خصوصاً وان هناك اهتماماً دولياً ملحوظاً لتقديم يد العون للبنان.
وإذ تؤكد مصادر سياسية متابعة وجود اتصالات ومشاورات بعيداً عن الأنظار لتفكيك الصواعق من امام الشروع في عملية تأليف الحكومة، فإنها في الوقت ذاته تكشف عن وجود معوقات داخلية وخارجية كثيرة تمنع إنجاز هذا الاستحقاق في وقت قريب، وإن كانت تتوقع ارتفاع منسوب هذه الاتصالات في الأيام القليلة المقبلة.
وترى المصادر انه من الصعب راهناً التكهن باسم من سيتولى تأليف الحكومة، سيما وأن الخلاف الأساسي بين الأطراف السياسية يدور حول شكل هذه الحكومة فهناك من يدعو إلى تأليف حكومة حيادية، وهناك من يحبذ ان تكون حكومة وحدة وطنية، كما ان الرأي الدولي متفاوت أيضاً حول هذا الموضوع، وهو ما يعني ان حبل تصريف الأعمال سيكون طويلاً وان هذا الأمر ربما يستمر إلى ما بعد الانتخابات الأميركية في الخريف المقبل، الا في حال حصلت بعض التنازلات من هنا أو هناك في سبيل تمرير هذا الاستحقاق في حال كانت هناك نوايا دولية صادقة بمساعدة لبنان للخروج من أزماته.